Research

الانتخابات الرئاسية لتايوان وانعكاساتها على العلاقات الأمريكية-الصينية

  • سارة النيادي
    باحث رئيسي
0 Views
Foreign Policy & International Relations

الانتخابات الرئاسية لتايوان وانعكاساتها على العلاقات الأمريكية-الصينية


يفصلنا شهران عن الانتخابات الرئاسية التايوانية، المقرَّر عقدُها في يناير المقبل، وتبدو فرص نائب الرئيس، رئيس الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، المرشح الرئاسي، ويليام لاي، الأكثر حظًّا حتى الآن، وفقًا لاستطلاعات الرأي التايوانية، فقد أظهر استطلاع الرأي الأخير، الذي نشرته قناة "فورموزا" التايوانية الشهر الماضي، الذي شمل نحو 1200 ناخب محتمَل، تَقدُّمَ لاي بنسبة 35.3%، في حين حصل مرشح حزب الكومينتانغ المعارض الرئيسي والأكثر تفضيلًا لبكين (KMT) "هو يو إيه" على 17.8%، وعمدة تايبيه السابق "كو وين جي" على 17.1% [1]. وعلى الرغم من إشارة بعض استطلاعات الرأي العام إلى حصول الأحزاب المعارضة على ما يقارب %50 في بداية العام الجاري، إلا أن حظوظ لاي الانتخابية ارتفعت مرة أخرى بعد إعلان مؤسس شركة تصنيع الإلكترونيات العملاقة فوكسكون، تيري جو، ترشُّحه للانتخابات رسميًّا في أغسطس الماضي، ما زاد من حدّة انقسامات المعارضة بإنشائه لحزب معارض ثالث[2]، وأنذر بتقويض آفاق فوز المعارضة وعزّز من فرص الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم. 

وتطرح احتمالات فوز ويليام لاي تساؤلات عدة حول مستقبل العلاقات الصينية–الأمريكية والاستقرار الإقليمي في المنطقة والسلم الدولي كله؛ لاي الذي وصف نفسه بأنه "العامل السياسي لاستقلال تايوان" في عام 2018، يتخذ موقفًا حاسمًا وعلنيًّا ضد بكين، ويَعتبر مسألة استقلال تايوان أمرًا حتميًّا، ووصفت الصين الشهر الماضي المرشح الرئاسي ويليام لاي بأنه "انفصالي" و"مثير للمشاكل بكل معنى الكلمة"[3]. 

وما فاقم من الخلافات السياسية بين الثلاثي، الأمريكي والصيني والتايواني، قيام ويليام لاي بزيارة للولايات المتحدة، كمحطة عبور بحسب التصريحات الرسمية في أغسطس الماضي[4]؛ حيث كان لاي في طريقه إلى بارغواي لحضور مراسم تنصيب الرئيس المنتخَب سانتياغو بينا، إلا أن الصين اعتبرت الزيارة مؤشرًا إلى الدعم الأمريكي للاي، ومساعي استقلال تايوان، متعهدة باتخاذ "تدابير حازمة وقوية" لحماية سيادتها. 

السياسة الداخلية لتايوان وتأثيرها على احتمالات التوحيد السلمي:

لطالما أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ، أن خيار التوحيد السلمي لتايوان هو الخيار المفضَّل لبكين، إلا أنه يبدو مرهونًا بشكل كبير بالسياسة الداخلية التايوانية، ومع احتمالات فوز ويليام لاي بالانتخابات الرئاسية لعام 2024 يبدو خيار تحقيق التوحيد السلمي أقل ورودًا؛ إذ قد يعكس لبكين فوز الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم بولاية ثالثة على التوالي، أن المشاعر العامة لتايوان قد تحوّلت بشكل لا رجعة فيه لصالح الاستقلال الرسمي لتايوان، وقد يمهّد فوز لاي من وجهة نظر الصين لعلاقات أعمق بين تايبيه وواشنطن، وهو ما سيُترجَم لبكين على أنه تهديد لمصالحها الوطنية، وبناءً عليه، فإن احتمالات أدوات الضغط السياسية، والعسكرية، والاقتصادية لبكين قد تكثف ضد تايوان، وقد تصل حتى إلى عملية عسكرية لتحقيق "الصين الواحدة"، وقد أكد الرئيس الصيني في مناسبات عدة بأن الصين "لن تَعِدَ أبدًا بالتخلي عن استخدام القوة"[5].

 

وسادت توقعات بأن الصين ستحاول تحقيق التوحيد بحلول عام 2049، بالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، إلا أن المخابرات الأمريكية تتوقع أن شي جينبينغ، زعيم الصين، أمر الجيش في البلاد بأن "يكون جاهزًا بحلول عام 2027 لضم تايوان"، في حين قال وزير خارجية تايوان في إبريل الماضي، إنه يستعد لاحتمال نشوب صراع مع الصين في عام 2027[6]، وهي الذكرى الـ 100 لتأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني. 

تدهور العلاقات التجارية بين تايوان والصين:

يبدو أن بكين بالفعل بدأت بإرسال سياسة ترفع فيها سقف التكلفة للناخبين التايوانيين في حال فوز لاي بالرئاسة، فالحقيقة أن الرخاء الاقتصادي لتايوان يعتمد بشكل كبير على الصين بالرغم من المبادرات المطروحة والمساعي من قِبَل الرئاسة التايوانية الحالية للتنويع الاقتصادي، ففي العام الماضي 2022، استحوذت الصين، باعتبارها الشريك التجاري الأكبر لتايوان، على نسبة 40% من إجمالي التجارة في تايوان. 

قامت الصين بعد يوم واحد من زيارة لاي للولايات المتحدة بفرض تدابير مؤقتة "لمكافحة الإغراق" على واردات البوليمر الحراري المستخدَم في الإلكترونيات والسيارات والتعبئة والتغليف والأجهزة الطبية، بدعوى أن الواردات التايوانية قد شاركت في ممارسات الإغراق، ما أدى إلى "ضرر سرّي" للصناعات الصينية، وأعلنت وزارة التجارة الصينية أنها ستفرض ودائع تتراوح بين 16.9 و22.4% على منتجات البولي كربونات التايوانية[7]. 

كما قامت الصين في أعقاب الزيارة بتوجيه ضربة أخرى إلى القطاع الزراعي في تايوان، بعد إعلانها عن حظر واردات المانجو من تايوان، بدعوى وجود نوع من الحشرات في الشحنات التايوانية، كما صرحت السلطات الصينية، فيما علقت وزارة الزراعة التايوانية بأنها "تأسف بشدة لممارسة التعليق التعسفي للتجارة دون حوار علمي"[8]، يأتي الحظر من قبل بكين على غرار أوامر مماثلة على مدى العامين الماضيين ضد واردات الأناناس التايواني والتفاح والحمضيات وأنواع معينة من المأكولات البحرية، ويعكس استمرارية تدهور العلاقات السياسية والتجارية بين البلدين، بالتزامن مع تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وتايوان، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايبيه في أغسطس العام الماضي. 

من الجانب الآخر يبدو أن الصين تحاول أن تتخذ سياسة العصا والجزرة، فقد أعلنت الصين في سبتمبر الماضي عن خطتها لتحويل مقاطعة فوجيان الساحلية إلى منطقة للتنمية المتكاملة مع تايوان، ما يروّج لفوائد زيادة التعاون عبر المضيق، بما في ذلك مبادرات السوق المالية، وقالت بكين إنها ستشجع الشركات التايوانية في إقليم فوجيان على إدراجها في البورصات الصينية، بحسب بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني[9]. في خطوة تعكس مساعي بكين لاستمالة الناخبين التايوانيين. 

تطوير الصناعات الدفاعية المحلية التايوانية بدعم من الحلفاء:

في سبتمبر الماضي، أصدرت وزارة الدفاع الوطني التايوانية "تقرير الدفاع الوطني 2023"، وهو أول تقرير دفاعي وطني يصدر للوزارة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، مستعرضًا الدروس التي تعلّمتها تايبيه من "حرب روسيا على أوكرانيا"، ودعا التقرير إلى تعزيز قدرات الحرب غير المتكافئة في تايوان، بما في ذلك الحصول على أسلحة ومعدات "متنقّلة وفعالة من حيث التكلفة ومحمولة ومدعّمة بالذكاء الاصطناعي". كما أشار التقرير إلى استخدام أوكرانيا الناجح للطائرات من دون طيار ضد القوات الروسية، كدليل على أن تايوان يجب أن تنتج ما يقارب 8000 طائرة عسكرية من دون طيار بحلول عام 2028. كما أعلنت تايوان زيادة إنفاقها الدفاعي، وخصّصت مبلغًا قياسيًّا قدره 19 مليار دولار لميزانيتها العسكرية لعام 2024 لشراء عتاد وأسلحة، ولاسيما من حليفتها الرئيسية الولايات المتحدة[10]. 

وللمرة الأولى على الإطلاق، تلقّت تايوان مساعدات عسكرية أمريكية بموجب برنامج التمويل العسكري الأجنبي الذي يمنح الدول ذات السيادة قروضًا أو منحًا للتسلح، في سبتمبر الماضي، والشحنة التي وصلت إلى تايوان تعتبر صغيرة نسبيًّا مقارنة بالمساعدات العسكرية التي تلقّتها من واشنطن على مدى السنوات الماضية عبر برنامج "المبيعات العسكرية الأجنبية"، وبلغت قيمة المساعدات 80 مليون دولار[11]. وفي حين سارعت واشنطن لطمأنة بكين بالتأكيد على أن حزمة المساعدات التي تأتي في إطار برنامج التمويل العسكري الأجنبي لا تعني أيَّ اعتراف بسيادة تايوان، إلا أنها لاقت رفضًا من بكين. 

وفي مساعي تحقيق استقلالية الدفاع الوطني التايواني، كشفت تايبيه الأسبوع الماضي عن أول غواصة محلية الصنع "Narwhalلتحلّ محلّ الغواصات الأربع القديمة التي تديرها حاليًّا البحرية التابعة لجمهورية الصين، وتناولت العديد من المصادر تَلقّي تايوان مساعدات أجنبية كبيرة في بناء الغواصة، فعلى الرغم من أن 40% من المكونات محلية، فقد أفادت وكالة "رويترز" للأنباء، بحسب مصادر رسمية من الدولة، بأن تايوان حصلت على تكنولوجيا نظام إدارة قتال الغواصات AN/BYG-1، المستخدَم في الغواصات النووية التابعة للبحرية الأمريكية، وأنظمة السونار الرقمية، وأنظمة القتال المتكاملة، بالإضافة إلى مساعدات تقنية وفنية من شركات بريطانية ويابانية، والتعاقد مع مهندسين متقاعدين من بعض الدول الحليفة أيضًا بجانب واشنطن وبريطانيا، على غرار كوريا الجنوبية، وأستراليا، وكندا، وهي دول مناوئة لتوسُّع النفوذ الصيني في المنطقة[12]. 

وقالت الرئيسة التايوانية "تساي إنغ ون" إن "تصنيع الغواصات محليًّا يمثّل قوة قتال مهمة لحماية حدود تايوان"، في حين لاقت هذه الخطوة النوعية استنكارًا من بكين، وشددت وزارة الدفاع الصينية على أن استراتيجية تايوان لبناء غواصات لها "لا تستطيع منع إعادة توحيد الأراضي"[13]. 

وتحمل طموحات تايوان في نشر ما يقارب ثماني غواصات محلية الصنع خلال السنوات المقبلة، رسائل ردع لبكين؛ حيث سيكون لتلك الغواصات دور جوهري في مواجهة أيّ "هجوم" صيني محتمَل، وتحديدًا في حالة التنسيق مع القوات الحليفة كالولايات المتحدة واليابان؛ حيث سيكون أحد الأهداف الرئيسية للغواصات هو المساعدة في مواجهة "الحصار الصيني"، أو محاولة "الغزو" من خلال الدفاع عن الموانئ التايوانية ومنع الوصول إلى المياه المحيطة بالجزيرة، ولا شك بأن الرئيسة التايوانية تساي قامت خلال سبع سنوات متتالية بتحديثات للجيش التايواني، تاركة لمن يخلفُها من الحزب الحاكم جيشًا يتمكن من قوة ردع غير مسبوقة بالنسبة إلى تايوان. 

الخاتمة:

ستشكّل الانتخابات الرئاسية لتايوان في يناير 2024 منعطفًا حاسمًا في مستقبل استقلال تايوان من عدمه؛ حيث سيعكس لبكين تحقيق الحزب الديمقراطي التقدمي بقيادة أحد السياسيين التايوانيين ذي التيار المؤيد للاستقلال، انتصارًا ثالثًا على التوالي، بأن المشاعر العامة لتايوان قد تحولت بشكل لا رجعة فيه لصالح الاستقلال الرسمي. ومن الواضح أن ذلك سيطرح تحديات كثيرة لواشنطن وبكين، فأيّ شكل من الدعم السياسي للتيار المؤيد للاستقلال في تايوان من قِبَل واشنطن مقابل مضاعفة المعارضة وأدوات الضغط من قبل بكين، قد يُعقّد موازنة العلاقات الثلاثية، وقد يزعزع الاستقرار الإقليمي والسلم الدولي كله.



[1] Taiwan presidential contender Lai takes big lead in opinion polls”, Nikk Asia newspaper, September 6, 2023, https://short-link.me/vZkZ

[2] Taiwan presidential contender Lai takes big lead in opinion polls”, Nikk Asia newspaper, September 6, 2023, https://short-link.me/vZkZ

[3] China vows ‘forceful measures’ as Taiwan’s William Lai arrives in US”, Aljazeera newspaper, August 13, 2023, https://short-link.me/vZlC

[4] Taiwan vice president stops over in New York on way to Paraguay, Reuters, August 13, 2023, https://short-link.me/uuTT 

[5]Will China Try to Take Taiwan in Xi’s Third Term?”, Voa news, October 22, 2022, https://short-link.me/uuUa

[6] Taiwan foreign minister warns of conflict with China in 2027”, The Guardian newspaper, April 21, 20223, https://short-link.me/uuUB

[7]Mainland China to hit Taiwan’s polycarbonate imports with anti-dumping measures, claims ‘concrete damage’”, South China Morning Post newspaper, August 14, 2023, https://short-link.me/vZn8

[8]Mainland China bans Taiwanese mangoes in latest trade barb, Taipei hits out at ‘one-sided’ act.”, South China Morning Post newspaper, August 21, 2023, https://short-link.me/uuVF 

[9] China touts economic gains for Taiwan in co-development plan with Fujian”, Reuters, September 13, 2023, https://short-link.me/uuWK

[10]Taiwan Announced a Record Defense Budget: But Is It Enough to Deter China?”, Council on Foreign Relation, August 30, 2023, https://short-link.me/uuX8

[11]US approves first-ever military aid to Taiwan through program typically used for sovereign nations”, CNN News, August 31, 2023, https://short-link.me/vZps

[12]Taiwan launches its first homemade submarine”, Defense News, September 29, 2023, https://short-link.me/vZpQ 

[13]How Taiwan's new subs could complicate a Chinese invasion”, The Japan Times Newspaper, September 28, 2023, https://short-link.me/vZq2

 


: 18-October-2023

Reviews (0)


       


Related Research

©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.

'