تؤدّي وسائل الإعلام دورًا حيويًّا ومؤثرًا في تسليط الضوء على قضايا التغير
المناخي التي باتت من أكثر قضايا الأجندة الدولية إلحاحًا لإيجاد حلول ناجعة
لإنقاذ البشرية. كما تسهم وسائل الإعلام أيضًا في تشكيل الوعي العام العالمي بيئيًّا،
وتشجّع السلطات الرسمية على اتخاذ إجراءات لحماية البيئة ومواجهة التغير المناخي،
من خلال نشر معلومات حول التحديات والتأثيرات المحتملة للتغير المناخي وهو ما يزيد
وعي الجمهور بأهمية الحفاظ على البيئة وتحفيز الأفراد على اتخاذ إجراءات منفردة
أحيانًا للحد من تأثيرهم البيئي.
ولا يتوقّف دور وسائل الإعلام عند هذا الحد، بل إنها
تعدُّ أداة وصوتًا قويًّا للمناداة باتخاذ إجراءات بيئية أكثر فعالية، إلى جانب الإسهام
في التحفيز على إجراء البحوث المتعلقة بتأثيرات التغير المناخي؛ إذْ ممّا لا شك
فيه أن القضايا المتعلقة بالبيئة والاستدامة والتغير المناخي أصبحت محورية على
المستويين الإقليمي والعالمي، لذلك فإن الإعلام بجميع وسائله يؤدّي دورًا مهمًّا
وضروريًّا لإيصال آراء الخبراء إلى الجمهور المستهدف بكلّ الوسائل وإبقائهم على اطّلاع
مستمر بأحدث مبادرات صنّاع القرار والمعنيين للحد من التغيرات المناخية والارتقاء
بجودة الهواء والحفاظ على البيئة.
وفي هذا الإطار تأتي هذه الدراسة التي تتناول نشأة الإعلام البيئي، وأهمية دوره ووظائفه في التوعية الإعلامية بقضايا البيئة، فضلًا عن دور وسائل التواصل الاجتماعي في التوعية بقضايا التغير المناخي، وأخيرًا العقبات التي تواجه دور الإعلام في رفع الوعي بقضايا البيئة.
أولًا- نشأة الإعلام البيئي
يعدُّ
الإعلام البيئي أحد المكونات الأساسية في الحفاظ على البيئة، حيث يعمل على إيجاد
الوعي البيئي واكتساب المعرفة اللازمين لتغيير الاتجاهات، والنيات نحو القضايا
البيئية[1].
وكانت بداية ظهور مصطلح الإعلام البيئي في مطلع
السبعينيات وتحديدًا منذ المؤتمر الدولي للبيئة البشرية الذي انعقد في استوكهولم
عام 1972، الذي أكد على الحق في الإعلام البيئي باعتبار أنَّ لكل إنسان دون تمييز
أو تفرقة الحق في أن يعرف الأنباء والمعلومات المتعلقة بالحقائق البيئية، ثم أكد
مؤتمر "ريو دي جانيرو" عام 1992 في توصياته أهمية وسائل الإعلام في
الترويج لقضايا البيئة وحمايتها من كلّ مظاهر التدهور.[2]
وقد زاد اهتمام وسائل الإعلام المختلفة بالقضايا
البيئية نتيجة لمشكلات التلوث والكوارث البيئية التي طرأت خلال السبعينيات
والثمانينيات، مثل تحطُّم ناقلة النفط "أموكوكانديس" عام 1978، وحادثة
المفاعل النووي في "ثري مايل آيلند"، وانفجار بئر النفط في خليج المكسيك
عام 1979، وانفجار مفاعل تشيرنوبل عام 1986.
وفي هذا الإطار يُعرَّف الإعلام البيئي بأنه "الإعلام الذي يسعى إلى تحقيق أغراض حماية البيئة من خلال خطة إعلامية موضوعة على أُسُس علمية سليمة تُستخدم فيها جميع وسائل الإعلام، وتُخاطب مجموعة بعينها من الناس أو عدة مجموعات مُستهدفة، ويتم في أثناء هذه الخطة وبعدها تقويم أداء هذه الوسائل ومدى تحقيقها الأهداف البيئية". كما يُعرَّف أيضًا بأنه: "أداة تعمل على توضيح المفاهيم البيئية، ونشر الثقافة البيئية والرقي بالوعي البيئي، وبناء أو فهم الظروف المحيطة، وإحداث تأثير في المستقبل من خلال التخطيط الإعلامي المُسبق للأهداف المرجوة من الطرح الإعلامي البيئي"[3].
ثانيًا- أهمية ودور الإعلام البيئي
على
مدى العقود الماضية، كان هناك قلق كبير بشأن قضايا الاستدامة البيئية. ولا يحتاج
الوضع الحالي للبيئة إلى مجرد تدريس القضايا البيئية، بل يحتاج لجهد كبير من
الإعلام وبصفة خاصة الإعلام العالمي لإيصال الرسالة البيئية إلى الرأي العام.[4]
فالوعي
البيئي يتكوَّن من ثلاث حلقات متداخلة ومنفصلة في آن واحد متمثلة في التربية
والتعليم البيئيين، والإعلام البيئي، وهي الحلقات التي من خلالها يجري ترسيخ
المفاهيم الحقيقية للبيئة عن طريق مخاطبة العقل وتنمية الاتجاهات الإيجابية
لمواجهة السلوكيات والمفاهيم السلبية.[5]
وفي هذا الإطار، يختلف مفهوم الوعي البيئي عن التوعية البيئية حيث تعتمد هذه
الأخيرة على تعميم المعرفة بأهمية البيئة والتقليل من الممارسات والسلوكيات غير
السليمة التي من شأنها إحداث خلل أو
ضرر لصحة الإنسان وتوازن البيئة. كما يكمن الفرق بين الوعي البيئي والتوعية
البيئية في أن الوعي البيئي يكون نتيجة التوعية البيئية، ويتم بنشر الثقافة
البيئية بما يناسب العمر، والعادات، وثقافة الفرد من خلال الوسائل الإعلامية التربوية[6].
وفي
هذا الإطار، يتمثل دور الإعلام البيئي فيما يأتي:
التغلب والتخفيف: أصبح للإعلام البيئي دورٌ في التغلب والتخفيف من حدة المشكلات
البيئية، فضلًا عن دوره في تعزيز الوعي البيئي، واكتساب المعرفة ونقلها، ورفع إدراك
البشرية لخطورة العبث بعناصر البيئة المختلفة، واستعدادهم للتفاعل معها في التوعية
لنشر القيم الجديدة الخاصة بحماية البيئة أو الدعوة للتخلي عن سلوكيات ضارة بها
والاعتماد على برامج صديقة للبيئة.
التبصير
بقضايا البيئة: للإعلام الجماهيري دورٌ بارزٌ في التبصير بقضايا البيئة، باعتباره
قناة اتصالية إيجابية بين المسؤولين عن البيئة والجماهير للتعرف على وجهات النظر
المختلفة عن طريق الإقناع، فالاهتمام الإعلامي بقضايا البيئة لم يتّسع ويتنامى إلا
بعد اكتشاف الآثار السلبية المدمّرة للبيئة، الناجمة عن التطبيقات المعاصرة
للتكنولوجيا المتقدمة، وهو ما يستلزم من وسائل الإعلام تسليط الضوء على مشكلات
البيئة وخلق الوعي بقضاياها.
تقوية اهتمام الجماهير بقضايا البيئة: يتعامل الإعلام مع مشكلات البيئة بواسطة خلق الإحساس لدى المواطن بضرورة الاهتمام بالبيئة، والمحافظة عليها، من خلال تقوية اهتمام الجماهير بقضايا البيئة ومشكلاتها، وذلك انطلاقًا من أن الإنسان هو أكثر الكائنات الحية فاعلية وتأثيرًا في النظام البيئي[7]. فضلًا عن العمل على تقديم برامج توعية بيئية تغطي الموضوع من جوانبه الاجتماعية والقانونية والدينية. وهذا الأمر يُسهم في تعميم الوعي للحفاظ على موارد الطبيعة، كما يَمْنَح المسؤولين صورة واضحة عن اهتمامات الرأي العام.
ثالثًا- أهداف الإعلامي البيئي
يهدف
الإعلام البيئي إلى تحقيق أهداف وغايات متنوعة، تتلخص في الآتي: [8]
1- طرح القضايا البيئية، وتقديمها بصورة مبسطة وشاملة لأفراد الجمهور وتزويدهم بالمعلومات ذات الصلة
بالبيئة، وإعلامهم بكل جديد محليًّا وعالميًّا من خلال نقل أهم الأخبار والمواضيع
المتعلقة بالبيئة ومتابعة كل الإجراءات والقرارات التي تتخذها جهات مّا في
القطاعين العام والخاص، ويكون من شأنها الإضرار بالبيئة، وبالتالي الإسهام في
الجهود التي تُبذل للضغط من أجل وقف هذه المظاهر أو الحد منها.
2- تغيير
السلوك: يهدف الإعلام
أيضًا إلى تشكيل الوعي البيئي بصورة إيجابية بهدف الإسهام في
دفع الأشخاص إلى تغيير سلوكياتهم الضارة بالبيئة، والمشاركة بفعالية في رعاية
البيئة، من خلال دفعهم إلى العمل الشخصي، وتشجيعهم على الحوار وإيصال آرائهم إلى
المسؤولين، وبذلك يكون لهم رأي مسموع يسهم في عملية صنع القرارات المتعلقة بالحفاظ
على البيئة.
3- رسالة إعلامية بيئية: لتطوير برامج تعليمية وتربوية لحماية البيئة، والتوعية بقوانين حماية
البيئة الصادرة عن الجهات المسؤولة وتحفيز الأفراد إلى التغيير نحو الأفضل عن طريق
خلق طموحات مشروعة وممكنة، مع إيجاد ودعم الاتجاهات والقيم المناسبة، وإذكاء
الحماس للتغلب على الصعاب والعقبات التي تواجه إجراءات حماية البيئة.
4- تصحيح التصورات: يهدف الإعلام البيئي أيضًا إلى تصحيح بعض التصورات القاصرة في معالجة قضايا البيئة، ومن ذلك النظر إلى
قضايا البيئة على أنها تعني مظاهر التلوث ومصادره فقط، وكذلك مقولة أن التنمية
تؤدي بطبيعتها إلى إهدار المصادر البيئية أو تلوث البيئة، فمن المهم الربط بين البيئة
والتنمية، إذ إن تنمية البيئة وتطويرها وتحسينها يتيح الفرصة لأجيال الحاضر والمستقبل
في حياة أفضل.
5- نشر المعلومات الصحيحة: كما يهدف الإعلام البيئي إلى إيقاظ الهمم وشحذ الأفراد لتحريك الجمود في
الساحة البيئية، وتحفيز أصحاب القرار من خلال المعلومات البيئية الصحيحة، بغية
التصرف بمسؤولية اتجاه البيئة، وتحسين نوعية الحياة دون الإضرار بالموارد، ودون
تعريض حياة الأجيال القادمة للخطر.
6- القدرة الاستيعابية للأنظمة الإيكولوجية: يدعو الإعلام البيئي إلى ضرورة تحسين مستوى المعيشة وحفظ التنوُّع وخفض استنزاف
الموارد غير المتجددة ومراعاة الحفاظ على القدرة الاستيعابية للأنظمة الإيكولوجية،
وتغيير العادات البيئية السيئة.
فضلًا عن تعزيز قدرات الفئات الراغبة في التغيير نحو الأفضل، وتمكين المجتمعات من
حماية بيئتها، والعمل على كسب أصدقاء للبيئة والتنمية، وتسليط الضوء على
الإيجابيات والجهود المبذولة لحماية البيئة.
7- تطوير المهارات: يهدف الإعلام البيئي إلى إكساب الفرد المهارات المختلفة اللازمة لمشاركته في حماية البيئة وتنمية مواردها، وإكسابه القدرة على التنبؤ بالمشكلات البيئية قبل وقوعها. فضلًا عن خلق الدافعية لدى الفرد للمشاركة في حل المشكلات البيئية، وتغيير السلوك السلبي نحو البيئة.[9]
رابعًا- وظائف الإعلام البيئي
نتناول
فيما يأتي أهم وظائف الإعلام البيئي، متمثلة في الآتي:[10]
الإعلام: تعدُّ وظيفة
الإعلام البيئي وظيفة لا يمكن الاستغناء عنها، إذ يصعب القيام بالوظائف الأخرى في
غيابها كما أنها محور الارتكاز ونقطة الانطلاق للوظائف الأخرى. والإعلام يعني
تزويد أفراد الجمهور بالأخبار والمعلومات البيئية للوقوف على كل ما يدور حولهم
محليًّا وإقليميًّا وكذا عالميًّا، فقضية البيئة ذات أبعاد مختلفة حيث إن عددًا من
مشكلاتها يمسُّ العالم بأسره.
التفسير
والتحليل: تعدُّ هذه الوظيفة مكمّلة للوظيفة الأولى، فالأخبار والمعلومات
والبيانات التي تبثُّها وسائل الإعلام عن شؤون البيئة وقضاياها تحتاج إلى تفسير
أسبابها وآثارها، وتوضيح أبعادها وتداعياتها. وقد أصبح الإعلام المعاصر إعلام معلومات
وتحليل، وليس إعلام افتراضات في المواضيع البيئة تحديدًا؛ فقد جرى تجاوز مرحلة
إقناع الناس بأهمية الحفاظ على البيئة إلى مرحلة تحديد الأساليب الناجعة لتحقيق
هذا الهدف الذي بات مقبولًا، وهذا يعني معالجة موضوع البيئة إعلاميًّا كقضية وليس
مجرَّد أخبار.
إحداث
الدوافع وتعزيزها: تعني حثَّ
الاختيارات الشخصية والتطلعات، ودعم الأنشطة الخاصة بالأفراد والجماعات بهدف
التركيز الكلّي على تحقيق الأهداف المرجوّة، وهذا الأمر مهم جدًّا أثناء تناول القضايا
البيئية، إذ يسهم في تعزيز الوعي المجتمعي العام بهذا المجال الحيوي الذي أصبح شأنًا
عالميًّا.
التثقيف
والتعليم:
يؤدي
الإعلام البيئي دورًا مهمًّا في التثقيف المستمر لجميع الفئات المجتمعية، فهو لهم بمنزلة
مورد دائم لكل ما هو جديد في المجال البيئي ويدفعهم للبحث والاطلاع لزيادة حصيلتهم
العلمية والمعرفية ولاكتساب مزيد من المهارات الحياتية اللازمة، كما يعزز الإعلام
البيئي المعانيَ والمفاهيم والأحكام والمعتقدات والتصورات الفكرية لدى الفرد عن
البيئة ومشكلاتها.
التنشئة
الاجتماعية:
تعني
هذه الوظيفة توفير رصيد مشترك من المعارف والمهارات المرتبطة بالبيئة تُمكّن الأفراد
من العمل بفعالية في المجتمعات التي يعيشون فيها، وهو ما يضمن مشاركتهم في الحياة
العامة إلى جانب تنسيق الجهود على المستويات المحلية والإقليمية والدولية للحدّ من
تدهور البيئة وإتلاف مواردها، ويسهم في وضع الحلول المناسبة لمشكلاتها.
الإقناع: يعدُّ الإقناع
جهدًا اتصاليًّا إعلاميًّا مخططًا ومدروسًا ومستمرًا؛ للتأثير في الآخرين وتعديل
سلوكهم ومعتقداتهم وقيمهم وميولهم، من خلال الاستخدام المركَّز لوسائل الإعلام
لدفع الجمهور إلى اتخاذ مواقف إيجابية وفعالة اتجاه قضايا البيئة وصَون مواردها
والحدّ من تدهورها.
الحوار
والنقاش: أي تعزيز عملية
تبادل الآراء والأفكار بين المعنيين والمهتمين بالحقائق البيئية للوصول إلى اتفاق
حولها وتوضيح مختلف وجهات النظر حول القضايا البيئية المهمة للجمهور، وذلك بصورة
مبسطة لاتخاذ مواقف حيالها.
الإرشاد
والتوجيه: إن إحدى أهم وظائف الإعلام البيئي هي إحداث
التوجيه والإرشاد المطلوبين لتعزيز الوعي البيئي لدى الجمهور من خلال توضيح أفضل
السبل للتعامل مع المسائل البيئية وأساليب الوقاية والعلاج وتسليط الضوء على
الأحداث والمشكلات والتوقعات للأحداث اللاحقة، لمساعدة الأفراد والجماعات على فهم
ما يجري حولهم وتعزيز مشاركتهم البناءة تجاهها.
التكامل:
يتطلع الإعلام إلى تحقيق التكامل والتنسيق الكلي بين المجتمعات والأمم
فيما يتعلق بالتنوُّع اللغوي وحاجات التفاهم والتعرف إلى تطلعات الآخرين وثقافتهم،
وهذا ما يسهم في معالجة القضايا البيئية التي تتسم بأبعاد إقليمية وعالمية وتتخطى
الحدود المحلية.
التسويق والإعلان: يعدُّ الإعلان من أهم الوسائل التي تلجأ إليها الجهات المعنية بحماية البيئة للإعلان عمّا تقوم به من أنشطة عدة، ودعوة الجمهور إلى التفاعل معها، وتسويق حملاتها الإعلامية ذات المضامين الداعية إلى صون موارد البيئة والحدّ من انتهاكها.
خامسًا- وسائل التواصل الاجتماعي والتوعية بقضايا
التغير المناخي
تعدُّ
القضايا والمشكلات البيئية واحدة من المواضيع المطروحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي،
حيث أصبحت العديد من الجمعيات والمنظمات المحلية والدولية تنشط عبر هذه الوسائل من
أجل نشر الوعي والثقافة البيئية من خلال الإحاطة بالمعلومات والأخبار البيئية،
والدعوة إلى الإسهام في الحملات التطوعية لحماية البيئة؛ عبر إدراج الصور
والفيديوهات والتعليقات، من أجل جذب انتباه المستخدمين وبلورة الوعي البيئي لديهم.
وبالرغم من ذلك فقد تباينت الآراء حول دور
المنصات الرقمية في تناول قضايا المناخ والبيئة، وطرق الحد من تأثيرات التغير
المناخي بصورة واضحة، لتوعية شرائح المجتمع بأهمية السلوك للحد من التلوث المناخي.[11] وفي الوقت الذي ذهب فيه البعض إلى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي
في نشر الوعي والاهتمام بقضايا البيئة لدى رواد وسائل التواصل الاجتماعي الإعلامية
فإن آخرين أكدوا أن تلك الوسائل لا تخدم التوجه الدولي في مواجهة تأثيرات التغير
المناخي على مستقبل الحياة البشرية.[12]
وجدير
بالقول إن الإعلام البيئي الإلكتروني هو إعلام متخصص في مجال البيئة والتنمية
المستدامة عبر وسائل إلكترونية جاءت لتكون امتدادًا للوسائل التقليدية. كما يعدُّ الإعلام
البيئي امتدادًا للإعلام التقليدي بما فيه من مبادئ وأهداف، غير أنه يجري عن طريق
الوسائل الإلكترونية التي تتميز بالتأثير الواسع، حيث يكمن الفرق بينهما في كون
الإعلام البيئي التقليدي يعتمد على الوسائل التقليدية الكلاسيكية في حين أنّ النمط
الإلكتروني يرتكز على استخدام الوسائل الإلكترونية كالإنترنت بمختلف تطبيقاته.[13]
وأخيرًا، تتميز المعلومات في الإعلام البيئي الإلكتروني بعدم الاحتكار حيث قد تكون بحدّ ذاتها مصدرًا للإعلام البيئي التقليدي، حيث يعطي هذا النمط للإعلام فرصة لكل الفئات في النقاش والتفاعل في المجال البيئي، إضافة إلى أنّ التغطية الجغرافية والزمنية للإعلام الإلكتروني غير محدودة كما هو الحال في الإعلام التقليدي.[14]
سادسًا-
العقبات التي تواجه الإعلام البيئي
توجد عدة عقبات تواجه قيام الإعلام بدوره في نشر
التوعية بقضايا البيئة والتغير المناخي، ومنها: [15]
1- قلة الاهتمام الإعلامي بالبيئة:
في الحقيقة أن وسائل الإعلام لا تعطي القضايا البيئية ما يناسبها من الاهتمام،
ويتمثَّل ذلك في قلة المساحات الصحفية المخصصة لذلك، وقلة عدد البرامج الإذاعية
والتلفزيونية، مع ضيق مساحتها الزمنية وربما عدم الاستعانة بالمتخصصين في شؤون
وقضايا البيئة، وكذلك قلة المواقع الإلكترونية المهتمة بالقضايا البيئية، وكذلك
قلة عدد المحطات الفضائية والصحف المتخصصة المهتمة بشؤون البيئة بشكل عام.
2- غياب المهنية في تناول الإعلاميين لقضايا البيئة: يتمثل ذلك
بطريقة جلية في أن العلاقة بين الإعلاميين ومصادر المعلومات البيئية، لا تخضع
لاعتبارات مهنية بقدر خضوعها لاعتبارات المصالح المشتركة أو المتبادلة، ناهيك عن
تأثرها بجماعات الضغط من رجال الصناعة والأعمال في بعض الأحيان بعيدًا عن القوانين
والاعتبارات البيئية.
3- عدم قناعة المسؤولين بجدوى البيئة وقضاياها: بعض القائمين
على وسائل الإعلام المختلفة لا يمتلكون رؤى وقناعات حقيقية بجدوى الشؤون البيئية
وأهميتها للجماهير، فغالبًا ما تتم التضحية بصفحة البيئة أو المساحة المخصصة لها
في مقابل نشر أي مواد صحفية أخرى مهما كانت نوعيتها، كما يتم إلغاء أو تأجيل نشر
أو عرض المساحة البيئية المقارنة بين إعلان مدفوع يأتي بمورد مالي لوسيلة إعلامية،
أو برنامج بيئي لا تقتنع القيادات الإعلامية بجدواه أساسًا.
4- عزوف الإعلاميين عن العمل في مجال الإعلام البيئي: تعدُّ هذه
القضية ضِمن الموضوعات المهمة، التي تؤثر سلبًا على الإعلام البيئي. ويمكن إيجاز
الأسباب الحقيقية لعزوف الإعلاميين عن العمل في مجال الإعلام البيئي في النقاط
الآتية: أولًا يعدُّ التخصص في العلوم البيئية جديدًا ضمن تخصصات التعليم الكثيرة،
كما أن تناول البيئة كقضية يتطلب إلمامًا علميًّا متنوعًا، لأن قضايا البيئة ذات
أبعاد متداخلة مع الاقتصاد والتنمية والاجتماع والسياسة والعلوم البيولوجية
والنباتية وغيرها، ولافتقار أغلب الصحفيين إلى ثقافة علمية فإنهم يبتعدون عن العمل
في مجال الإعلام البيئي.
ثانيًا، كتابة تقرير بيئي يستغرق وقتًا أطول، وذلك لمراجعة بعض الأمور الفنية
والعلمية والإحصائيات، وهو ما يجعل الصحفي والإعلامي قليل الإنتاج، أي قليل الحصول
على الدخل المالي.
ثالثًا، طبيعة المشكلة البيئية لا تشكل سبقًا صحفيًّا بالمفهوم التقليدي للسبق الصحفي، إلا إذا تعلقت بكارثة بيئية أو بأضرار فادحة ناتجة عن التلوث، لذلك لا يستطيع الصحفي التقليدي إجراء حوارات حول البيئة ومشكلاتها. وأخيرًا، عدم تشجيع القائمين على المؤسسات الإعلامية الصحفيين على الخوض في مجال البيئة، وعدم تخصيص صفحات في الجرائد أو برامج في الإذاعة والتلفزيون تهتم بشؤون البيئة والتوعية البيئية، والافتقار إلى الأرشيف التخصصي والمكتبة التلفزيونية، وانخفاض الأجور التي تُمنح عن الموضوعات البيئية التي تحتاج إلى جهد ومال كبيرين.[16]
خاتمة:
لا
شك في أن لوسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تعزيز الوعي العالمي بقضايا التغير
المناخي. وهنا يمكن أن يقوم الإعلام الجديد، خصوصًا وسائل التواصل الاجتماعي، بدور
أكثر فاعلية لتوعية الرأي العام العالمي بالأخطار التي تواجه الكوكب جرّاء
التغيرات المناخية.
كما
يمكن تفعيل دور وسائل الإعلامي التقليدية من خلال العمل على تدريب وتأهيل العاملين في مجال الإعلام البيئي، ورفع درجة
إلمامهم وإدراكهم لقضايا البيئة والتغير المناخي.
وهنا، يجب على المنظمات والهيئات العالمية، خصوصًا منظمة الأمم المتحدة، القيام بتشجيع وسائل الإعلام على الاهتمام بقضايا البيئة والتغير المناخي عبر دعم القنوات المحلية التي تهتم بشؤون البيئة، وتخصيص جوائز لأفضل مقدمي برامج التوعية البيئية في العالم. ويضاف إلى ما سبق، العمل على تشجيع القطاع الخاص وجمعيات البيئة العالمية على دعم وإنشاء قنوات متخصصة في التوعية بقضايا البيئة.
[1] كيحل فتيحة، الإعلام الجديد ونشر الوعي
البيئي دراسة في استخدامات مواقع التواصل الاجتماعي، موقع الفيسبوك أنموذجًا،
رسالة ماجستير، (الجزائر: جامعة الحاج لخضر −باتنة، 2012)، ص 59.
[2] ياسمين مجدي، دور الإعلام في تنمية الوعي
بكيفية مواجهة المشكلات البيئية، مجلة السياسية الدولية، 7 نوفمبر 2022، https://2u.pw/dJuv58S
[3] دور الإعلام في تنمية الوعي البيئي،
النجاح نت، 22 يوليو 2020، https://2u.pw/wmY0ND
[4] د. طارق قابيل، دور الإعلام العلمي في
رفع الوعي البيئي، موقع المستقبل الأخضر، 21 ديسمبر 2022، https://2u.pw/QWIhJPY
[5] محمد ابراهيم خاطر، الإعلام والتوعية
البيئية، الطبعة الأولى، (عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع، 2016)، ص 57.
[6] أيت أوقاسي فتيحة، الإعلام البيئي الإلكتروني
تطبيق بديل لتنمية الوعي البيئي وتحقيق التنمية المستدامة، دراسة عيّنة من طلبة
كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير - جامعة الجزائر3، مجلة
المؤسسة، العدد1، المجلد 10، 2021، 209.
[7] محمد معوض إبراهيم، تكنولوجيا الإعلام
(تطبيق على الإعلام في بعض الدول العربية)، (القاهرة: دار الكتاب الحديث، 2008)، ص
36.
[8] كيحل فتيحة، الإعلام الجديد ونشر الوعي
البيئي دراسة في استخدامات مواقع التواصل الاجتماعي، موقع الفيسبوك أنموذجًا،
رسالة ماجستير، (الجزائر: جامعة الحاج لخضر −باتنة، 2012)، ص 144.
[9] دور الإعلام في تنمية الوعي البيئي،
النجاح نت، 22 يوليو 2020، https://2u.pw/wmY0ND
[10] - ياسين بوذراع، دور الإذاعة المحلية في نشر الوعي البيئي
لدى الطلبة الجامعيين، رسالة ماجستير غير منشورة، (الجزائر: جامعة منتوري، د.ن)،
152.
[11] د. طارق قابيل، دور الإعلام العلمي في
رفع الوعي البيئي، موقع المستقبل الأخضر، 21 ديسمبر 2022، https://2u.pw/QWIhJPY
[12] المرجع
السابق.
[13] شفيقة مهري، الإعلام الإلكتروني عبر
موقع الفيسبوك ودوره في تحقيق التنمية المستدامة. مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية،
العدد2، المجلد 13، 2016، ص 201.
[14] د. مجاني باديس، دور الإعلام في نشر
الوعي البيئي، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، العدد 30، جامعة
الحاج لخضر، الجزائر، 2017، 2017https://2u.pw/GIoXfzl
[15] نزيهة وهابي، الإعلام ودوره في تشكيل
الوعي البيئي.. نظرة شاملة حول جدلية العلاقة والتأثير، مجلة الآداب والعلوم
الاجتماعية، العدد2، المجلد9، الجزائر، 2016، ص 184.
[16] حسين أحمد شحاتة، محمد حسن عوض، وسائل
الإعلام في مواجهة التلوث البيئي، ط 1، (القاهرة: مكتبة الدار العربية للكتاب،
2013)، ص 75.
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)