Research

قمة مجموعة G-77 والصين: مقاربة جديدة للتعددية القطبية

  • تريندز
0 Views
Foreign Policy & International Relations

قمة مجموعة G-77 والصين: مقاربة جديدة للتعددية القطبية


شهدت عاصمة أوغندا كامبالا فعاليات قمة مجموعة G-77 الصين؛ وذلك في الفترة من 21-22 يناير 2024، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورؤساء وممثلي دول وحكومات 135 دولة.

وركزت القمة التي عقدت في الذكرى الـ60 لتأسيس المجموعة، على مسألة غياب العدالة الدولية؛ ولاسيما "تمكين" دول "الجنوب العالمي" – وفق وصف المتحدثين – في ما يتعلق بتحقيق أهداف التنمية المستدامة عالميًّا 2030، التي تتضمن 17 هدفًا تركز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتمكين الشباب.

وعليه؛ تسعى هذه الورقة إلى تسليط الضوء على الوثيقة الختامية للقمة، وما تتضمنه من دلالات يمكن من خلالها الوقوف على رؤية المجموعة وآليات تطبيقها.

دلالات الوثيقة الختامية:

جاءت الوثيقة الختامية لقمة G-77 في 156 توصية، وحملت كلمات المتحدثين، بين طياتها العديد من الدلالات التي تشير إلى رؤية المجموعة للنظام الدولي، والتحولات المستقبلية في التفاعلات الدولية.

الدلالة الأولى تتمثل في غلبة لغة الصراع والاستقطاب بين جبهتين هما: دول الشمال المتقدمة ودول الجنوب النامية.

أما الدلالة الثانية فتشير إلى رفض استمرار النظام الدولي الأحادي القطبية؛ وهو ما تجلى بوضوح في كلمة الأمين العام للأمم المتحدة الذي انتقد النظام الدولي الحالي وطالب بضرورة تغيير آلياته ومؤسساته وتعديلها.

وتتعلق الدلالة الثالثة بمسألة تصاعد الدور الدولي للصين، وذلك عبر النفاذ إلى ما يمكن توصيفه بـ"المساحات الجغرافية - الاستراتيجية الأكثر تهميشًا في النظام الدولي"، التي تركز على دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية، إلى جانب محيطها الآسيوي.

وأخيرًا ترتبط الدلالة الرابعة بالتحول الاستراتيجي في آليات تغيير النظام الدولي، والانتقال من الدعوة لإحداث تغيير "راديكالي" يركز على التفكيك وإعادة البناء، إلى تبنّي خطاب يدعو إلى استراتيجية "أكثر تقدمية" تعتمد على الإصلاح التدريجي لمؤسسات النظام الدولي.

الدلالات الأربع السابقة؛ تعد مدخلًا لقراءة الوثيقة الختامية للقمة، وما تتضمنه من رؤى لمقاربة تغيير النظام الدولي وحدود فاعليتها؛ وذلك عبر 3 محاور رئيسية: الأول؛ آليات مواجهة القدرة الغربية وأدواتها؛ والثاني؛ رؤية المجموعة للدور الوظيفي للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية؛ والثالث؛ رؤية المجموعة للإصلاح الاقتصادي والمالي الدوليين، وأخيرًا القدرة على التأثير في النظام الدولي.

أولًا: مواجهة القدرة الغربية.. الآليات وحدود التأثير:

ركزت الوثيقة الختامية للقمة على مسألة خلخلة النفوذ والتأثير الأمريكي – الأوروبي ضد الدول النامية عمومًا وأعضاء المجموعة على وجه الخصوص؛ ولاسيما فيما يتعلق بإنهاء سياسات الحصار والعقوبات واعتماد التفاوض لإنهاء النزاعات بين الدول النامية والقوى الكبرى أيضًا.

فقد دعت الوثيقة إلى إنهاء الحصار على كوبا المفروض منذ ما يزيد على 6 عقود، فضلًا عن ضرورة استئناف المفاوضات بين المملكة المتحدة والأرجنتين وفق ميثاق الأم المتحدة والقرارات ذات الصلة التي اعتمدتها الجمعية العامة، للتوصل إلى حل سلمي للنزاع بينها على جزر (فوكلاند) التي تضم جزر مالفيناس، وجزر ساندويتش وجورجيا الجنوبية والمناطق البحرية المحيطة بها.([1])

فبالنسبة إلى جمهورية كوبا؛ فهي تقبع تحت الحصار الأمريكي سياسيًّا واقتصاديًّا منذ عام 1959 بعد تأسيس الدولة الاشتراكية المتحالفة مع الاتحاد السوفيتي حينها.

وتصاعدت حدة الحصار حتى بلغت فرض عزلة اقتصادية ودبلوماسية، وتحديدًا في عام 1982، بعد قرار إدارة الرئيس رونالد ريجان وضع كوبا على قائمة الدول الراعية للإرهاب لدعمها الجماعات المسلحة اليسارية في أمريكا الوسطى وإفريقيا.([2])

وبعد 10 أعوام، وقّع الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب قانون الديمقراطية الكوبية لعام 1992، وفي عام 1996 وقّع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون قانون الحرية والتضامن الديمقراطي الكوبي المعروف أيضًا باسم قانون هيلمز بيرتون - الذي عزز العقوبات الأمريكية، وذكر أن الحظر سيظل ساريًا حتى تنتقل هافانا إلى دولة ديمقراطية. ([3])

وفي ما يتعلق بالصراع بين الأرجنتين والمملكة المتحدة، فهو يعود إلى عام 1833، وتطور في 2 إبريل 1982، حينما سيطرت القوات الأرجنتينية على جزر فوكلاند، ما أثار أحد أكبر النزاعات الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية، الذي استمر 74 يومًا، وكان أول عمل عسكري منذ الحرب العالمية الثانية تُستخدم فيه جميع عناصر القوات المسلحة([4])، وأسفرت هذه الحرب عن مقتل 255 فردًا بريطانيًّا، وتدمير 7 سفن وتسع طائرات أيضًا، إلى جانب مقتل 600 من القوات الأرجنتينية.

ويشير تناول النموذجين الكوبي والأرجنتيني في الوثيقة الختامية لقمة G-77 والصين؛ إلى حدود قدرة المجموعة على إحداث التأثير المطلوب في مواجهة القدرة الأمريكية والأوروبية.

فقد اعتمدت الوثيقة على الجانب الدبلوماسي دون الإجرائي في ما يتعلق بضرورة فك الحصار عن كوبا؛ فضلًا عن طرحها ضرورة استئناف المفاوضات فيما يتعلق بمسألة جزر فوكلاند والصراع بين الأرجنتين والمملكة المتحدة، واستندت هنا إلى توصية اللجنة التابعة للأمم المتحدة الخاصة المعنيّة بإنهاء الاستعمار واستئناف المفاوضات لحل هذه المسألة.

وأكدت اللجنة عبر قرارها الصادر في 20 يونيو 2023، أن السبيل إلى إنهاء الحالة الاستعمارية الخاصة بهذه الجزر، هو التسوية السلمية والتفاوضية للنزاع على السيادة بين الحكومتين البريطانية والأرجنتينية.([5])

ثانيًا: الدور الوظيفي للأمم المتحدة.. ودعم رؤية G-77:

تضمنت الوثيقة الصادرة عن قمة كامبالا، رؤية المجموعة للأمم المتحدة، ودورها في تغيير النظام الدولي؛ ولاسيما التحول نحو التعددية القطبية.

ووفق بنود تلك الوثيقة، فإن مجموعة الـ77 ترى أن الأمم المتحدة يمكن أن تؤدي دور "المحفز" لتغيير النظام الدولي.

ويبدو أن هذه الرؤية استندت إلى كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش خلال مشاركته في القمة التي أكدت ضرورة أن تقود الدول النامية جهود إصلاح المؤسسات والأطر المتعددة الأطراف.([6])

وطرحت الأمم المتحدة، عبر كلمة الأمين العام، نفسها لاعبًا "محفزًّا" لتغير النظام العالمي، وذلك عبر نقطتين أساسيتين:

الأولى تحديد الأطراف التي لديها القدرة على تغيير النظام العالمي، والمتمثلة في دول المجموعة التي تضم 135 باعتبارها أكبر تجمع في الجنوب العالمي، وتمثل 80% من سكان الكوكب.

وتستند الرؤية الأممية هذه إلى أن الجانب "الكمي" للمجموعة، قد يساعد على صياغة خطة جديدة لبناء نظام دولي جديد مستدام وسلمي.

أما النقطة الثانية فتتمثل في رؤية الأمين العام للمنظمة الأممية لدور قوى النظام العالمي الراهن، الذي أكد أنها لن تتخذ أي خطوات إصلاحية في القوت الراهن، مطالبًا دول G-77 بالاستمرار في دفع جهود التغيير الدولي، وهو ما يفسر مطالبته أيضًا بضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي، باعتبار أن تشكيلته وقواعده لا تعكس ضرورات المرحلة الراهنة، وضرورة ربط أي خطوات لإصلاحه بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقدرته على مواجهة التحديات الدولية الراهنة.

على ضوء ما سبق؛ يمكن القول إن رؤية مجموعة الـ77 للدور الوظيفي للأمم المتحدة؛ يقتصر على اعتبارها مظلة يمكن العمل من خلالها لتحقيق نظام دولي متعدد القطبية، وهو أمر يجسد بالتبعية حدود قدرتها على إحداث تأثير في النظام الدولي، الذي سيظل محكومًا بأطر وقواعد النظام العالمي الراهن.

ثالثًا: رؤية الإصلاح الاقتصادي والمالي.. وقيود الديون:

ركزت الوثيقة الختامية للقمة على مسألة تخفيف الأعباء الاقتصادية على دول الجنوب؛ وذلك عبر إطارين رئيسيين([7])؛ الأول: إصلاح الهيكل المالي العالمي بعد قصوره في توفير التمويل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ خصوصًا لدى دول الجنوب.

ويهدف هذا الإطار إلى تحقيق أهداف عدة؛ أبرزها تحقيق العدالة في الاستجابة لاحتياجات التمويل للبلدان النامية وتعزيز فاعليتها، وأيضًا توسيع وتعزيز مشاركتها وتمثيلها في صنع القرارات الاقتصادية الدولية ووضع المعايير والإدارة الاقتصادية العالمية، وذلك وفقًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

وفي ما يتعلق بآلية تحقيق الإطار الدولي لهذا الإصلاح؛ فقد أكدت الوثيقة دور الأمم المتحدة؛ ولاسيما الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، في معالجة إصلاح الهيكل المالي الدولي لضمان تحقيق العدالة الدولية فيما يتعلق بمشاركة دول الجنوب في الحوكمة العالمية.

وتضمن الإجراء الدولي أيضًا، وفق رؤية المجموعة، أهمية إعادة تنظيم حصص صندوق النقد الدولي، وضرورة وضع نهج يمكن تطبيقه بحلول يونيو 2025.

أما الإطار الثاني فيتمثل في إعادة هيكلة الديون السيادية العالمية بمشاركة الدول النامية، بسبب تكلفة خدمة هذه الديون وتأثيراتها على اقتصاديات هذه الدول؛ ولاسيما من الناحية الهيكلية.

ففي 23 ديسمبر 2023 أصدر البنك الدولي تقريرًا عن "الديون الدولية"، رصد فيه أن البلدان النامية أنفقت نحو 443.5 مليار دولار لخدمة ديونها العامة في عام 2022، وأضاف أن ارتفاع تكاليف هذه الديون أدى إلى تحويل موارد هذه الدول بعيدًا عن الاحتياجات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبيئة.([8])

التقرير أيضًا أفاد بأن مدفوعات خدمة الدين عام 2023 التي تشمل أصل الدين والفائدة، زادت بنسبة 5% عن عام 2022.

ولفت التقرير النظر إلى أنه في الفترة من 2012 – 2022 زادت قيمة الفوائد التي تسددها 75 دولة 4 مرات، لتصل إلى أعلى مستوى لها عند 23.6 مليار دولار في عام 2022، وتوقع أن تتضخم التكاليف الإجمالية لخدمة الدين في أفقر 24 بلدًا في عامي 2023 و2024، بنسبة تصل إلى 39%.


وكشف البنك الدولي أيضًا عن تخلف 18 دولة عن سداد ديونه السيادية، كما أن نحو 60% من البلدان المنخفضة الدخل في خطر كبير يهدد بوصولها إلى مرحلة الديون الحرجة؛ ولاسيما مع تضاعف الاقتراض خلال الفترة من 2012-2022.


المفارقة أن إجمالي الدين العالمي بلغ 238% من إجمالي الناتج المحلي العالمي 2022، بزيادة قدرها 9% عن عام 2019 قبل كورونا، ليبلغ 235 تريليون دولار، بزيادة 200 مليار دولار في عام 2021.([9])

من هنا؛ يمكن تفهم تركيز الوثيقة الختامية لقمة كامبالا على مسألة الديون باعتبارها تستنزف شبكات الأمان الاجتماعي، وتسبب ضائقة اجتماعية واقتصادية وتقيد التنمية المستدامة، في حين أن الاستجابة المتعددة الأطراف من الدائنين لا تتناسب مع الخطورة الحالة.

وتجدر الإشارة إلى مؤسسة "بلوميبرغ"، نشرت تقريرًا أوضحت فيه ارتفاع نسبة ديون الصين إلى الناتج المحلي الإجمال بنحو 286.1% في الربع من 2023. ([10])


وهو ما يعني أن ثمة أرضية مشتركة لدعم الصين التوصيات الاقتصادية لمجموعة الـ77 في ما يتعلق بمسألة هيكلة النظام المالي العالمي، ضمن رؤى تغيير النظام الدولي.

فقد دعت الحكومة الصينية إلى إصلاح المؤسسات الاقتصادية الدولية، بما فيها منظمة التجارة العالمية لتحقيق مزيد من العدالة التجارية بين دول العالم، وهو ما يفسر مشاركة بكين بشكل مستمر مع أي تجمعات سياسية واقتصادية خاصة بدول الجنوب.

G-77 والصين.. ومحددات التأثير الدولي:

يتضح مما سبق أن الوثيقة الختامية لقمة كامبالا الأخيرة، تعد مقاربة جديدة لتغيير النظام العالمي من أحادي القطب إلى متعدد القطبية، يركز على توسيع مشاركة الدول النامية التي وصفتها بـ"الجنوب العالمي".

وتتقاطع هذه الوثيقة مع الرؤية الصينية، إذ يعتمد كلاهما على التحول التدريجي عبر مبادرات إصلاحية للمؤسسات الأممية.

ووفق الرؤية السابقة؛ يمكن الوقوف على محددات التأثير الدولي لدى G-77 والصين، على النحو الآتي:

المحدد الأول؛ الاستمرارية:

يعد استمرار كيان مجموعة الـ77 ذاته، وقدرته على التكيف مع التحولات الدولية الكبرى على مدى 6 عقود، وتطوير رؤيته، من أبرز محددات مساعي التأثير الدولي.

فقد استمدت المجموعة مسألة الاستمرار، من أسباب التأسيس التي ظلت قائمة حتى الآن. فمنذ التأسيس في 15 يونيو 1964، وتعد الـG-77 آلية تستخدم من جانب بلدان الجنوب للتعبير عن مصالحها الاقتصادية الجماعية وتعزيز قدرتها التفاوضية بشأن جميع القضايا الاقتصادية الدولية الرئيسية داخل الأمم المتحدة.

ما يعني أنها تعد مظلة موازية لدول الجنوب للتحرك بشكل جماعي في النظام الدولي، وداخل أروقة ومؤسسات الأمم المتحدة أيضًا، لذا فهي تظل محكومة بهامش التحرك وفق قواعد النظام الراهن، ومن ثَمّ فإن حدود فاعليتها تظل غير حاسمة.

المحدد الثاني؛ التوسع والتكيف الهيكلي:

يعد التوسيع والتكيف الهيكلي، مدخلًا لفهم القدرة على الاستمرار، والنفاذ إلى مناطق التأثير المحتملة في النظام الدولي الراهن أيضًا.

فمنذ تأسيس المجموعة من قِبل 77 دولة نامية وقعت "الإعلان المشترك" الصادر في نهاية الدورة الأولى لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في جنيف عام 1964، تطورت هيكليًّا على المستويين الرأسي والأفقي.

بالنسبة إلى "التوسع الرأسي"، فقد ارتفع عدد أعضاء المجموعة من 77 إلى 134 إلى جانب الصين، كما توسعت "أفقيًّا" عبر تطوير الهيكل المؤسسي، من خلال إنشاء مكاتب للاتصال في: (الأونكتاد)، ونيروبي (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)، وباريس (اليونسكو)، وروما (منظمة الأغذية والزراعة/الصندوق الدولي للتنمية الزراعية)، وفيينا (اليونيدو)، ومجموعة الـ 24 (مجموعة الـ 24) في واشنطن العاصمة (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي).([11])

المحدد الثالث: الارتباط بقوة دولية:

أسهم توافق الرؤية بين المجموعة والصين فيما يتعلق بطبيعة النظام الدولي وضرورات تغييره، في اعتباره محددًا يمكن من خلاله إحداث تغيير في النظام الدولي مستقبلًا.([12])

فقد بدا واضحًا أن الصين وجدت في الدول الإفريقية والآسيوية (النامية) مدخلًا وظيفيًّا لإعادة بناء المجتمع الدولي بركنيه السياسي والاقتصادي، عبر مبادرات عدة منها: تعديل تشكيل وآلية مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى إصلاح المؤسسات الاقتصادية والنقدية العالمية.

حيث دعت الصين إلى إصلاح منظمة التجارة العالمية بوصفها أكبر تاجر للسلع في العالم وشريكًا رئيسيًّا لأكثر من 140 دولة منذ انضمام الصين إليها في عام 2003([13])، وركزت رؤيتها على ضرورة هيكلة وكالات التنمية الدولية لتصبح أكثر كفاءة في دعم دول الجنوب العالمي، في أمريكا اللاتينية، وآسيا وإفريقيا وأوقيانوسيا.

وتعتمد استراتيجية بكين في هذا الشأن على حشد الدعم الدولي من جانب الدول النامية، عبر خطوات عدة منها: طرح المبادرة الإصلاحية، والمساعدة في إنشاء أنظمة نقدية دولية موازية مثل: بنك التنمية الجديد، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وصندوق "طريق الحرير"، وجميعها توفر قروضًا بديلة للدول التي لا تستطيع الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، كما تسهم في تمويل مشروعات تنموية في آسيا وخارجها.

الخاتمة:

تلتقي رؤية G-77 مع الصين، في ما يتعلق بتغيير النظام الدولي تدريجيًّا، وذلك عبر توسيع "العضوية الفاعلة" للبلدان النامية؛ خصوصًا في الجنوب، داخل المؤسسات الدولية والاقتصادية المختلفة، فضلًا عن تعديل آليات التصويت، كخطوة أولى نحو إحداث التأثير في النظام الدولي ثم تغييره مستقبلًا.

وتركز هذه الرؤى على محاولة اختراق سيطرة الولايات المتحدة على المؤسسات الدولية الأممية، بسبب المشاركة في تأسيسها ووضع أطرها الهيكلية والتنظيمية.

فقد أسهم النفوذ الأمريكي داخل هذه المؤسسات، في تبنيها القيم الاقتصادية والسياسية المتوافقة معها وحلفائها في الفترة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى سقوط الاتحاد السوفيتي من ناحية، وأسهمت أيضًا في الحفاظ على النظام الأحادي القطب منذ عام 1991 وحتى الآن من ناحية أخرى.

وبالنظر إلى المقصد النهائي من مسألة تغيير النظام الدولي؛ فإنه يتمثل في تحقق ما يسمى "العدالة الدولية".

لكن هذه المحددات السابقة تفتقد إلى القوة لإحداث هذا التغيير، كما أن أي نظام دولي لن يحقق "العدالة المطلقة" دوليًّا، فهي في الأساس أمر نسبي بحسب المستفيدين منه.

إذ إن الوصول إلى نظام متعدد الأقطاب، قد يشبه النظام الثنائي القطبية الذي كان قائمًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. حيث سيُفضي في النهاية إلى زيادة هامش المناورة لدى دول المجموعة بين الأطراف الفاعلة في هذا النظام، بل يمكن أن تتحول معه الدول النامية أيضًا إلى أداة وظيفية في الصراع والاستقطاب الدولي المحتمل.

لذا تظل مقاربة تغيير النظام الدولي معقدة وتخضع لاعتبارات استراتيجية: سياسية واقتصادية وثقافية أيضًا.

ويعدّ الجانب الثقافي ركيزة البناء الرئيسية لأي نظام دولي، فقد انتقل من مقولات "المركزية الأوروبية" خلال فترة التوسع الاستعماري الأوروبي، إلى الصراع بين "قيم" الشيوعية والليبرالية خلال فترة الحرب الباردة؛ ثم سيطرة قيم الحرية ونموذج الديمقراطية الغربية ومقولات حقوق الإنسان على النظام الدولي الراهن.

وهنا يمكن القول، إن مقاربة بناء نظام دولي متعدد القطبية، يتطلب إطارًا قيميًّا يحدده أطرافه الفاعلة، ويتوقع أن تغلب على تفاعلاته النزعة الصراعية بينها.



[1] - G-77, “Third South Summit Outcome Document,” (G-77, 22 January 2024), available at: https://www.g77.org/doc/3southsummit_outcome.htm

(Last time access: 23 January 2024)

[2] - Mark P. Sullivan, “Cuba and the State Sponsors of Terrorism List”, (Congressional Research Service, 13 May 2005),Pp.4-6, available at:

https://sgp.fas.org/crs/row/RL32251.pdf

(Last time access: 23 January 2024)

[3] - CFR.org Editors, “U.S.-Cuba Relations”, (Council of Foreign Relations, 3 June 2022), available at:

https://www.cfr.org/backgrounder/us-cuba-relations

(Last time access: 23 January 2024)

[4] - “The Falklands War”, (The Royal British Legion), available at:

https://www.britishlegion.org.uk/stories/the-falklands-war#content

(Last time access: 23 January 2024) 

[5] - United Nations, “Special Committee on Decolonization Adopts Resolution Requesting Negotiations Resume to Resolve Falkland Islands (Malvinas) Question”, (UN news, 20 JUNE 2023), available at:

https://press.un.org/en/2023/gacol3371.doc.htm

(Last time access: 23 January 2024)

[6] - United Nations, “Guterres urges G77 and China to drive momentum for global governance reform”, (UN News, 12 January 2024), available at:

https://news.un.org/en/story/2024/01/1145737

(Last time access: 23 January 2024) 

[7] - G-77, “Third South Summit Outcome Document,” (G-77, 22 January 2024), Op. Cit

[8] - The World Bank, “International Debt Report 2023”, (World Bank Group, 2023), available at:

https://openknowledge.worldbank.org/server/api/core/bitstreams/83f7aadd-dc5a-406b-98d4-9624e93993e5/content

(Last time access: 23 January 2024)

[9] - الدول النامية.. إنفاق قياسي على خدمة الدين خلال عام، (cnbc عربية، 13 ديسمبر 2023)، متوافر على الرابط:

https://www.cnbcarabia.com/117162/2023/13/12/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9..-%D8%A5%D9%86%D9%81%D8%A7%D9%82-%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AE%D8%AF%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D8%A7%D9%85-

(تاريخ آخر دخول للموقع: 23 يناير 2024)

[10] -  Myungshin Cho, “China’s Debt-to-GDP Ratio Rises to Fresh Record of 286.1%”, (bloomberg, 17 January 2024), available at:

https://www.bloomberg.com/news/articles/2024-01-17/china-s-debt-to-gdp-ratio-rises-to-fresh-record-of-286-1?leadSource=uverify%20wall

(Last time access: 23 January 2024)

[11] - About the Group of 77, available at:

https://www.g77.org/doc/

(Last time access: 23 January 2024)

[12] - Ndubuisi Francis, “China Rallies G77 Countries for Reform of WTO,  World Bank, IMF”, (This Day, 23 January 2024), available at:

https://www.thisdaylive.com/index.php/2024/01/23/china-rallies-g77-countries-for-reform-of-wto-world-bank-imf

(Last time access: 23 January 2024)

[13] - Xi stresses active participation in WTO reform, stronger ability for high-level opening-up, (the state council the peoples republic of China, 27 September 2023), available at:

https://english.www.gov.cn/news/202309/27/content_WS65143094c6d0868f4e8dfce6.html

(Last time access: 23 January 2024)


: 25-January-2024

Reviews (0)


       


Related Research

©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.

'