المقدمة:
"أوقات عصيبة تمر بها الفلبين"، بهذه العبارة وصف الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن الوضع الذي تمر به بلاده على خلفية تكرر الحوادث البحرية بين سفن خفر السواحل الفلبينية والصينية في المناطق المتنازع عليها بين البلدين في بحر الصين الجنوبي، وذلك خلال لقائه نظيره الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض، مطلع مايو الجاري، في زيارة للولايات المتحدة هي الثانية له منذ تسلمه الرئاسة العام الماضي.[1]
وسارعت واشنطن بتوظيف التوترات المتنامية بين البلدين في المنطقة الجيوسياسية المهمة، بتأكيد التزامها "الصارم" بالدفاع عن الفلبين، حيث نشرت وزارة الخارجية الأمريكية، تزامنًا مع زيارة الرئيس الفلبيني، وثيقة "المبادئ التوجيهية الدفاعية الثنائية"، التي تشير بعبارات واضحة إلى أن معاهدة الدفاع المشترك بين واشنطن ومانيلا ستُفعّل إذا تعرض أي من الجانبين للهجوم (بما في ذلك سفن خفر السواحل)؛ على وجه التحديد في بحر الصين الجنوبي، في إشارة واضحة لتحركات البحرية الصينية.
وفي ضوء هذا التقارب الأمريكي - الفلبيني المتسارع، تناقش هذه الورقة تحول السياسة الخارجية الفلبينية في عهد الرئيس ماركوس الابن؛ لتصبح أكثر حزمًا فيما يتعلق بمواجهة الصين حول المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، ومآلات دخولها دائرة التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين، من خلال تعزيز علاقاتها العسكرية مع واشنطن لمواجهة ما تعتبره "انتهاكات" بكين لحقوقها السيادية في المناطق المتنازع عليها ببحر الصين الجنوبي.
تحولات السياسة الخارجية الفلبينية في عهد الرئيس ماركوس الابن تجاه قضية الجزر:
مثّل فوز فرديناند ماركوس الابن بالانتخابات الرئاسية الفلبينية في يونيو 2022، منعطفًا حاسمًا في العلاقات الأمريكية - الفلبينية؛ إذ سمح لواشنطن بإعادة تفعيل تعاونها العسكري مع مانيلا بعد سنوات من تحجيمها في عهد الرئيس السابق رودريغو دوتيرتي، مقابل التعاون الاقتصادي مع بكين.
وتبنت الحكومة الجديدة موقفًا مغايرًا وأكثر حزمًا من سابقتها تجاه قضية المناطق البحرية المتنازع عليها مع الصين، فمنذ توليه السلطة يؤكد الرئيس ماركوس أن الفلبين "لن تتنازل عن شبر واحد من أرضها"[2]، واصفًا تحركات البحرية الصينية بـ "التوغلات والإكراهات"، مؤكدًا أنها دفعت حكومته إلى "إعادة تنشيط العلاقات الدفاعية والأمنية مع الولايات المتحدة والغرب وتعميقها"[3].
جدير بالذكر بأن الإرادة السياسية لمانيلا بموازنة العلاقات الأمريكية - الصينية كانت حاضرة؛ ففي زيارة أجراها الرئيس الفلبيني ماركوس الابن إلى بكين في يناير مطلع العام الجاري أكد على الاستقلالية الاستراتيجية لبلاده وعدم تأثرها بالصراع أو المنافسة بين واشنطن وبكين، بالإضافة إلى تأكيده أهمية إدارة النزاعات البحرية بين الجانبين بصورة سلمية وودية. وانعكاسًا لتقدير البلدين للعلاقات الاقتصادية المتبادلة، وُقّعت خلال الزيارة14 اتفاقية بين مانيلا وبكين في مختلف القطاعات، واتفق الجانبان على "عدم السماح للخلافات الحدودية بإعاقة "الارتباطات المثمرة" بين البلدين[4].
إلا أن تمسك بكين بما تعتبره حقوقها السيادية على المناطق المتنازع عليها، سواءً مع الفلبين أو مع بقية الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، وتكرار حوادث اعتراض البحرية الصينية لسفن خفر السواحل الفلبينية وسفن الصيد، واستمرارية لما اعتبرته الفلبين تجاهلًا للحكم الصادر في عام 2016 عن محكمة العدل الدولية في لاهاي لمصلحة مانيلا في نزاعها البحري مع الصين - كل ذلك دفع بتوجه الرئيس ماركوس الابن إلى الانحياز العسكري لواشنطن وحلفائها في المنطقة، لمواجهة "الأطماع" الصينية.
وفي حين تنأى واشنطن بنفسها تقليديًّا عن الدخول في النزاعات البحرية وتتبنى نهج عدم الانحياز في المسائل المماثلة، يدفع البعد الاستراتيجي للفلبين بموقف أمريكي مغاير؛ لذا كانت الإدارة السابقة برئاسة دونالد ترامب أول من أكد رفض مطالب الصين في بحر الصين الجنوبي، وأيدت الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن في الذكرى السنوية لصدور حكم محكمة لاهاي رفضَ واشنطن لجميع المطالبات البحرية المهمة للصين في بحر الصين الجنوبي، وحذرت الصين من أن أي هجوم على الفلبين من شأنه أن يستدعي ردًّا أمريكيًّا بموجب معاهدة دفاع مشترك منذ 1951.
مؤشرات تعزيز العلاقات العسكرية الأمريكية - الفلبينية:
تواترت مؤشرات تعزيز العلاقات السياسية والعسكرية بين واشنطن ومانيلا في الفترة الأخيرة، وكان أبرزها في شهر أبريل ومايو ما يأتي:
وبينما يسعى الرئيس الفلبيني ماركوس لطمأنة بكين بتأكيده أن القواعد العسكرية التي توجد فيها القوات الأمريكية لن تُستخدم في عمل هجومي، مؤكدًا أن الاتفاق مع واشنطن يهدف إلى تعزيز دفاعات بلاده؛ ترى الصين في هذا التحالف استهدافًا لمصالحها الاستراتيجية في منطقة بحر الصين الجنوبي، سواءً على مستوى العلاقات الثنائية (الفلبين والولايات المتحدة) أو المستوى الإقليمي (التحالف الذي تقوده واشنطن في المنطقة لمواجهة بكين).
الفلبين جزء من استراتيجية "الإندوباسيفيك" لواشنطن:
التصور المستقبلي:
الخلاصة:
وسط صراع دولي ومنافسات جيوسياسية محتدمة تنذر بتحول النظام الدولي القائم، تزداد التوترات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، مع تكثيف واشنطن من مساعي انخراطَها الدبلوماسي والعسكري مع دول جنوب شرق آسيا في نزاعها البحري ضد الصين، وذلك في إطار مواجهة مساعي بكين من أن تصبح القوة الإقليمية المهيمنة في بحر الصين الجنوبي. تُعد الفلبين إحدى مناطق الولايات المتحدة الاستراتيجية لمواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في المنطقة خاصةً فيما يتعلق باحتمالات حدوث أي مواجهة أمريكية - صينية حول تايوان، ولذلك، سارعت واشنطن بتعزيز علاقاتها مع الحكومة الفلبينية الجديدة، مستغلةً تبني حكومة ماركوس الابن موقفًا حازمًا حول سيادة مانيلا على المناطق البحرية المتنازع عليها مع بكين، ورغبتها في تعزيز قدراتها الدفاعية، لتوسيع انتشارها العسكري في المنطقة.
المراجع
[1] President Marcos Jr. Meets With President Biden—But the U.S. Position in Southeast Asia is Increasingly Shaky, Council on foreign relations, May 2, 2023, https://rb.gy/k88nn
[2] President Marcos says Philippines 'will not lose an inch' of territory, Reuters, February 18, 2023, https://rb.gy/lunxg
[3] Amid tensions with China, Philippines gets bolder, May 11, 2023, https://rb.gy/a1455
[4] Philippines' Marcos Vows to 'Strengthen' China Ties on Beijing Trip, Voa news, January 4, 2023, https://rb.gy/09x0c
[5] China lashes out against US-Philippines alliance, Financial Times, April 22, 2023, https://rb.gy/9g4p6
[6] . تتضمن لأول مرة تدريبات بالذخيرة الحية.. بدء أكبر مناورات عسكرية مشتركة بين الفلبين والولايات المتحدة، موقع الجزيرة الإخباري، ١١ أبريل ٢٠٢٣، https://rb.gy/cop65
[7] US, Philippines agree to complete road map for security assistance, Reuters, April 12, 2023, https://rb.gy/znlvi
[8] China and Philippines discuss ties as Manila opens bases to U.S., Nikkei Asia, April 22, 2023, https://rb.gy/zoa64
[9] Australia to Provide Surveillance Drones to Philippines, The Defense Post, MAY 19, 2023, https://rb.gy/2so65
[10] مستند حقائق: استراتيجية الولايات المتحدة لمنطقة المحيط الهندي والمحيط الهادي، وزارة الخارجية الأمريكية، ١١ فبراير ٢٠٢٢، https://rb.gy/i0kxk
[11] الأسطول البحري الحربي الصيني يتفوق على الأسطول الأمريكي، موقع "روسيا اليوم"، ٨ سبتمبر ٢٠٢٠، https://rb.gy/e8huu
[12] U.S. and China trade barbs over South China Sea, Reuters, December 20, 2022, https://rb.gy/s06hg
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)