تُقدر أعداد المهاجرين حول العالم بأكثر من مليار شخص حاليا، أي تقريبا واحد من كل سبعة من أفراد الجنس البشري. ويشمل هذا العدد 281 مليون مهاجر دولي، أي مهاجر خارج حدود بلاده، و83 مليون نازح قسرا، منهم 48 مليونا نازحين قسرا داخل بلادهم، و27 مليونا لاجئين إلى دول أخرى، و4 ملايين من طالبين اللجوء لأسباب سياسية أو إنسانية، بالإضافة إلى ملايين آخرين لا يتمتعون بوضع قانوني أو إقامة شرعية، حسب تقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ويواجه هؤلاء عدة تحديات، والتي ربما من أهمها التحديات الصحية، حيث تعتبر الهجرة واللجوء والنزوح، من أهم مهددات الحالة الصحية، وعاملا رئيسيا في مستوى الحالة الصحية الفردية. وغالبا ما يُصنف المهاجرون واللاجئون ضمن الفئات الأضعف في المجتمع، حيث كثيرا ما يتعرضون للتمييز والمواقف السلبية من فئات المجتمع الأخرى، ويحيون في ظروف معيشية وسكنية ومهنية تعتبر هي الأسوأ، بالإضافة إلى صعوبة حصولهم على خدمات الرعاية الصحية المناسبة، على الرغم من انتشار معدلات الإصابة بالمشاكل الصحية، الجسدية والنفسية، بينهم.
فعلى صعيد المشاكل النفسية مثلا، يعاني أكثر من نصف المهاجرين واللاجئين من اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب، والقلق، والتوتر، والشعور بالوحدة. هذه الاضطرابات زادت حدتها ومدى انتشارها مع كوفيد-19، حيث فرض هذا الوباء تحديات إضافية على المهاجرين واللاجئين، تجسدت في زيادة احتمالات الإصابة بالأمراض المعدية، والوفاة لأسباب متعددة ومتنوعة. كما أظهر هذا الوباء مدى الفجوة في المتوفر، أو بالأحرى عدم المتوفر، من خدمات الرعاية الصحية للمهاجرين واللاجئين، مقارنة بفئات وطوائف المجتمع الأخرى، في شكل فج من أشكال فقدان العدالة الصحية. وبناء على أن اللاجئين والنازحين والعمالة المهاجرة أصبحوا يتواجدون في جميع دول العالم تقريبا، بل أحيانا ما تتخطى أعدادهم عدة ملايين في بعض الدول، فمن الممكن بسهولة إدراك العلاقة بين الحالة الصحية لهؤلاء، وبين الحالة الصحية لأفراد الشعوب والمجتمعات التي يقطنون بها.
ومما يزيد الموقف سوءا لعشرات الملايين من المهاجرين والنازحين، أن نظم الرعاية الصحية في الدول التي غادروها، متدنية المستوى على أحسن التقديرات، إن لم تكن منهارة تماما، كما أنهم خلال رحلة نزوحهم وهروبهم مروا بظروف صعبة، نتيجة انعدام الصرف الصحي، والاعتماد على مياه شرب ملوثة في أغلب الأوقات، وهي عوامل كلها تزيد من احتمالات إصابتهم بالعديد من الأمراض المعدية، سواء البكتيرية أو الفيروسية أو الطفيلية، بما في ذلك الأمراض التي يمكن تحقيق الوقاية منها في الظروف الاعتيادية من خلال التطعيمات الطبية الروتينية.
كما أن معسكرات إيواء اللاجئين، تشكل أرضية خصبة لانتشار الأمراض، وخصوصا المعدية منها، نتيجة اكتظاظها بكثافة سكانية مرتفعة، وغياب البنية التحتية، وخصوصا مياه الشرب النظيفة، ونظم الصرف الصحي الحديثة، بالإضافة إلى تراجع نوعية وفعالية الخدمات الصحية المتاحة، وهي الظروف التي تجعل من معسكرات الإيواء تلك، أو التجمعات السكانية للاجئين داخل المدن الكبرى، بؤرا لانتشار الأمراض المعدية. وأحيانا ما تتجاهل الاستراتيجيات الوطنية للرعاية الصحية في بعض الدول، متطلباتِ واحتياجات اللاجئين والمهاجرين، رغم وجود عشرات ومئات الآلاف، وربما الملايين منهم على أراضيها.
وحسب تقرير صدر عن المنطقة الأوروبية في منظمة الصحة العالمية، وبالاعتماد على أحدث الأدلة والبيانات عن صحة اللاجئين والمهاجرين المستخلصة من أكثر من 13 ألف وثيقة ودراسة مختلفة، ظهر أنه حتى لو كان هؤلاء اللاجئين كانوا يتمتعون بصحة جيدة قبل نزوحهم من موطنهم، إلا أنهم يعانون خطر التعرض بشكل أكبر للأمراض المعدية المختلفة، وبالإصابات الجسدية الشديدة، خلال رحلتهم إلى جهتهم المنشودة، أو أثناء إقامتهم في بلد اللجوء، نتيجة سوء الظروف المعيشية، والتغيرات التي تطرأ على نمط وأسلوب حياتهم.
وتبذل حاليا عدد من الدول جهودا ملموسة، لتحسين مستوى الرعاية الصحية للاجئين المقيمين على أراضيهم، انطلاقا من حقيقة أن الحق في الرعاية الصحية هو حق أساسي من الحقوق الإنسانية، كما أن توفير رعاية صحية جيدة للاجئين والمهاجرين، يحمي ويحافظ أيضا على صحة السكان الأصليين. هذا بالإضافة إلى أن اللاجئين والمهاجرين يساهمون بشكل فاعل في اقتصاد الدول التي تستضيفهم، وفي تنمية وتطوير بلدهم الأصلي. ويمكن إدراك حجم مساهمة اللاجئين في الاقتصادات المحلية، من حقيقة أن 12 في المئة من القوى العاملة في دول المنطقة الأوروبية مثلا، هم من المهاجرين، أما على صعيد المساهمة في تنمية اقتصادات موطنهم الأصلي، فيتم ذلك من خلال روافد عدة، ربما كان أهمها التحويلات المالية، والتي تشكل في الكثير من دول العالم مصدرا أساسيا للعملات الأجنبية، وربما المصدر الأول والأهم في بعض من هذه الدول.
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)