حسب تقرير خاص صدر العام الماضي عن منظمة الصحة العالمية، أصبحت التغيرات المناخية المتوقعة، تشكل أكبر خطر صحي يهدد صحة الإنسان في المستقبل. وبناء عليه، دعت المنظمة الدولية حكومات الدول وواضعي السياسات إلى اتخاذ الإجراءات والتدابير الضرورية على وجه السرعة، إذا ما كان لنا أن نتجنب كارثة صحية غير مسبوقة. وتوصل التقرير إلى هذه النتيجة المفزعة، من خلال أبحاث ودراسات خلصت إلى أن الوضع أصبح لا يحتمل الانتظار.
فبخلاف التبعات الصحية المباشرة للتغيرات المناخية الشديدة، مثل الإصابات الخطيرة والوفيات، ينتج عن هذه التغيرات تأثيرات غير مباشرة مثل الإصابة بنقص وسوء التغذية الناتجين عن فشل المحاصيل، أو عدم توفر مياه الشرب الصالحة الخالية من الأمراض. وفي الوقت الذي يتسع بشكل دائم مدى المخاطر الصحية الناتجة عن التغيرات المناخية، يمكن تقسيم هذه المخاطر إلى ثلاثة أقسام رئيسية؛ أولا: التأثيرات المباشرة، مثل موجات الحر الشديد، أو الكوارث المناخية. ثانيا: التأثيرات الناتجة من التغيرات الحاصلة في النظم البيئية المحلية بسبب التغيرات المناخية، مثل اتساع نطاق انتشار البعوض، وتراجع المخزون السمكي في الأنهار والبحيرات والبحار والمحيطات، وانخفاض حجم العائد الزراعي من المحاصيل. ثالثا: التأثيرات غير المباشرة الناتجة من النزوح والهجرة بسبب تدهور البيئة المحلية، وتراجع مستوى الدخل، وما يصاحبهما من اضطرابات عقلية ونفسية.
وبشكل أكثر تحديدا، تشمل العلاقة بين الصحة وارتفاع متوسط درجة الحرارة على الكوكب عدة مظاهر؛ منها: تعرُّض الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع، مثل كبار السن والفقراء لموجات القيظ الشديد، وما ينتج عنها من ارتفاع معدلات الوفيات بين هذه الفئات، والتأثير السلبي على النشاط البدني والقوة العاملة، وربما حتى الصحة العقلية. وعلى صعيد الأمراض المعدية، نجد أن بعض أنواعها قد تزداد مع ارتفاع درجة الحرارة واتساع نطاق الحشرات الناقلة لها، كما هو الحال مع الأمراض المنقولة بالبعوض، أو الأمراض المنقولة بالماء مثل الكوليرا. وتتأثر صحة أفراد المجتمع بوجه عام بالأحداث المناخية العنيفة، أو ما يعرف بتطرف الطقس، مثل الفيضانات والأعاصير، وفترات الجفاف والقحط، وحرائق الغابات، والتي يمكن أن تتسبب جميعها في وفيات وإصابات.
ويطلق مصطلح تطرف الطقس أو المناخ (Weather Extreme)، على الأحوال المناخية، الشديدة، أو غير الاعتيادية، أو التي تقع خارج الحدود التاريخية الطبيعية، سواء الدنيا أو القصوى. ويتطرف الطقس، وما يصاحبه من أحداث مناخية شديدة، في أقل من 5 في المئة من الوقت، حيث غالبا ما توصف مثل تلك الأحداث بأنها نادرة الوقوع، وإن كانت السنوات الأخيرة قد شهدت تزايدا في معدل الظروف المناخية المتطرفة.
ولا تقتصر الأحوال المناخية الشديدة على الأعاصير والعواصف الاستوائية، بل تشمل أيضا موجات الحر الشديدة، وموجات البرد الشديدة، وهطول الأمطار الغزيرة خلال فترة قصيرة، بدرجة تتسبب في فيضانات واسعة النطاق، وفي انزلاقات أرضية خطيرة، أو أحيانا انقطاع المطر لفترة طويلة، مما ينتج عنه جفاف وقحط، يؤدي إلى وقوع مجاعات. وتعّرف موجات الحر على أنها ارتفاع درجة الحرارة بشكل غير طبيعي لفترة طويلة، وغالبا بالترافق مع ارتفاع مماثل في مستويات الرطوبة، ولدرجة تتسبب في تلف المحاصيل، واشتعال حرائق الغابات، وجفاف المسطحات المائية، وتآكل التربة وتكون عواصف ترابية، وانقطاع الكهرباء نتيجة الأحمال الزائدة على شبكات التوزيع. وعلى الصعيد الإنساني، تتسبب موجات الحر في مشاكل صحية عديدة، قد تؤدي أحيانا للوفاة، وخصوصا بين كبار السن والأطفال.
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)