تحتل حاليا الوفيات بسبب الأمراض السرطانية، مرتبة متقدمة جدا على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري، وهي الوفيات المتوقع لها الازدياد بشكل مضطرد في المستقبل القريب. ففي عام 2021، تخطى عدد الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بالسرطان حاجز العشرين مليونا للمرة الأولى في التاريخ، وتوفي في العام نفسه 10 ملايين بسبب مرضهم. وللأسف، يتوقع أن تستمر هذه الأرقام في الازدياد خلال العقود القادمة. فحسب التقديرات المستقبلية، سيصاب واحد من كل خمسة أشخاص بالسرطان في مرحلة ما من حياته، وستشهد أعداد من يصابون بالسرطان مزيدا من الارتفاع بنسبة 50% بحلول عام 2040، مقارنة بأعداد المصابين في 2020، على الرغم من أنه يمكن حاليا تحقيق الوقاية، والشفاء التام من العديد من الأمراض السرطانية.
وتُرد هذه الزيادة المطردة في الإصابات بالأمراض السرطانية وفي الوفيات الناتجة إلى التغيرات الحادثة في نمط حياة إنسان العصر الحديث، وخصوصا زيادة استهلاك الأطعمة غير الصحية، وتراجع مقدار ونوعية النشاط البدني والرياضي، واستخدام منتجات التبغ والمشروبات الكحولية. ومما لا شك فيه أيضا، أن اكتشافات واختراقات الطب الحديث خلال العقود الماضية، وما نتج عنها من زيادة في متوسط أو مؤمل العمر لأفراد الجنس البشري، قد ساهم أيضا بشكل غير مباشر في رفع نسبة المصابين، فالمعروف والثابت، أن احتمالات الإصابة بالسرطان تزداد مع تقدم العمر، وترتفع بشكل كبير بين من بلغوا خريف العمر.
وترتكز الاستراتيجيات الهادفة إلى خفض الوفيات الناتجة عن السرطان على التشخيص المبكر للأمراض السرطانية التي لم تظهر أعراضها وعلامتها بعد، وخصوصا الأنواع القاتلة منها، مثل سرطان البنكرياس وسرطان المبيضين. حيث يعتبر التشخيص المبكر للعديد من الأمراض السرطانية، من أهم العوامل في تحديد نسبة الشفاء واحتمالات النجاة. فالدراسات الواحدة تلو الأخرى، تظهر أن الكشف المبكر عن السرطان من خلال الفحوص الطبية المسحية، يمكنه أن يخفض من الوفيات بنسبة تصل أحيانا إلى 35 في المئة. ولكن هذه الفحوص المسحية لا زالت تواجه مشكلات علمية وفنية، تعيقها عن أن تصبح ممارسة يومية، وتمنعها من أن تكون أكثر فاعلية في اكتشاف الأمراض السرطانية مبكرا.
وتتمحور حاليا الكثير من الجهود الهادفة إلى تحقيق الوقاية من الإصابة بالأمراض السرطانية، وعلاجها إذا ما حدثت الإصابة، على تقنيات التطعيمات الطبية المتعارف عليها، سواء كانت تطعيمات وقائية، أو تطعيمات العلاجية. وخصوصا في ظل حقيقة أن بعض أنواع الامراض السرطانية، مثل سرطان عنق الرحم، أو سرطان الكبد، تتسبب فيها فيروسات، مما يجعل التطعيمات ضد العدوى بهذه الفيروسات استراتيجية فعالة في تحقيق الوقاية. حيث نجح بالفعل التطعيم المستخدم ضد فيروس الثآليل الجنسية (HPV) السبب الرئيسي خلف الإصابة بسرطان عنق الرحم، في خفض معدلات الإصابة بهذا النوع من السرطان بنسبة 90% منذ بدء استخدامه عام 2008.
ومثله في ذلك مثل العديد من الأمراض الأخرى، يعكس مستوى الرعاية المقدمة لمرضى السرطان، نفس الغبن والظلم الصحي، وفقدان العدالة في توزيع المصادر، المستشري بين دول العالم الغنية ومثيلتها الفقيرة. وهو ما يتجسد في حقيقة أن أساليب العلاج المتعددة أو الشمولية، تتوفر حاليا لأكثر من 90% من المرضى في الدول الغنية، بينما لا تتوفر إلا لـ 15% فقط من المرضى في الدول الفقيرة. وأمام هذا الوضع، ربما كان طريق الخروج الوحيد لشعوب الدول المتوسطة والفقيرة من هذه الهوة السرطانية، هو اعتماد استراتيجيات ومبادرات تركز في بداياتها على الأنواع السرطانية الأكثر انتشارا، مثل سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان انتشارا على الإطلاق، وسرطان عنق الرحم الممكن الوقاية منه بالاعتماد على التطعيمات الطبية، وربما القضاء عليه نهائيا، بالإضافة إلى أنواع الأمراض السرطانية التي تصيب الأطفال. تحقيق هذه الاستراتيجية، سيعتمد بشكل أساسي على إنشاء مراكز وطنية متخصصة، توفر الرعاية الشمولية لمرضى السرطان، للغني والفقير منهم على حد سواء، بالاعتماد على الأساليب العلاجية الحديثة.
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)