تشير الدراسات الطبية الحديثة إلى اتجاه مطرد نحو تزايد أعداد المصابين بعته أو خَرَف الشيخوخة، من 57 مليون شخص حالياً إلى 153 مليون بحلول عام 2050. وهو ما يتوافق إجمالاً مع ما تظهره البيانات والإحصاءات، بوقوع إصابة جديدة بخَرَفُ الشيخوخة أو عتهها، بمرور كل ثلاث ثوان. وتتباين هذه الزيادة ما بين دول العالم المختلفة ومناطقه، وإن كان يتوقع أن تزداد أعداد المصابين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من 3 ملايين حالياً إلى 14 مليوناً، في غضون العقود الثلاثة المقبلة.
ويعزى الارتفاع الحاصل في معدلات الإصابة بخرف الشيخوخة إلى الزيادة السكانية على مستوى العالم بوجه عام، وإلى الارتفاع الحاصل في مؤمل أو متوسط العمر لأفراد الجنس البشري عموماً، ضمن الظاهرة المعروفة بشيخوخة المجتمعات. وهي ارتفاع متوسط أعمار أفراد المجتمع، بحيث يشكل كبار السن والشيوخ نسبة كبيرة من المجتمع، مقارنة بفئة الأطفال والشباب صغار السن. فالمعروف أن المجتمعات البشرية تتعرض منذ عقود لتغييرات ديموغرافية جوهرية، نتجت بشكل أساسي عن زيادة مؤمل العمر بمقدار عقدين كاملين خلال الخمسين عاماً الأخيرة، فالشخص الذي يولد حالياً، يتوقع له أن يبقى على قيد الحياة بأكثر من عشرين عاماً، مقارنة بمن كان يولد عام 1950 مثلاً.
ومن الخطأ الاعتقاد بأن العته أو الخرف هو نتيجة طبيعية للشيخوخة، فرغم أن التقدم في العمر يترافق مع تدهور طبيعي في الذاكرة، وفي التركيز، وغيرها من القدرات العقلية، فإن هذا التدهور ليس على القدر نفسه، ولا على الدرجة ذاتها المصاحبة للإصابة بعته الشيخوخة. وهو ما يعني أن الشيخوخة الطبيعية لا تكون مصاحبة دائماً للعته، ما يجعل عته الشيخوخة في حقيقته، انخفاضاً غير طبيعي في القدرات العقلية، يصيب بعضهم أثناء سنوات الشيخوخة. فمثلاً، نجد أن عته الشيخوخة يصيب 20% فقط ممن تخطوا سن الثمانين، وفي الوقت نفسه يظل 80% الباقون ممن تخطوا سن الثمانين محتفظين بكامل قدراتهم العقلية، ولكن مع انخفاض نسبي وطبيعي بسبب تقدمهم في العمر.
وتتعدد قائمة الأسباب التي تؤدي إلى خرف الشيخوخة، معظمها أسباب غير قابلة للعلاج، وإن كان مرض "الزهايمر" بالتحديد هو الذي يحتل رأس هذه القائمة، حيث يتسبب هذا المرض في نحو ثلثي حالات الإصابة. وازداد، مؤخراً، الاهتمام بأهمية نمط أو نوعية الحياة غير الصحية في زيادة احتمالات الإصابة، مثل التدخين، والسمنة، والإصابة بمرض السكري، حيث أصبحت أصابع الاتهام توجه إلى عوامل الخطر تلك في إصابة أكثر من 6 ملايين شخص. ومن المفارقات الغريبة هنا، هو ربط بعض الدراسات بين الإصابة بالاكتئاب وتضاعف خطر الإصابة بخرف الشيخوخة في المراحل اللاحقة من الحياة. ورغم أن الأطباء يدركون أنه غالباً ما يوجد الاكتئاب وعته الشيخوخة في المريض ذاته، فإنه ليس من المعروف إذا ما كانت إحدى الحالتين تؤدي إلى الأخرى. وما تظهره الدراسات هو أن الاكتئاب يؤدي إلى الخرف لاحقاً، وإن كان السبب غير واضح، وهو ما يؤكد وجود العلاقة، دون أن يظهر السبب المباشر.
ويؤثر خرف الشيخوخة في الذاكرة وعلى القدرات الذهنية والعقلية للمصابين، وهو ما يؤثر بالتبعية في قدرتهم على أداء مهام الحياة اليومية الاعتيادية. وبخلاف الثمن الإنساني المتمثل في انخفاض نوعية الحياة والمضاعفات الصحية لعشرات الملايين من المصابين، يحمل الخرف ثمناً اقتصادياً، يقدر حالياً بنحو 1.3 تريليون دولار، يتوقع بلوغه 1.7 تريليون دولار بحلول عام 2030، وربما 2.8 تريليون إذا ما وضعنا في الحسبان الزيادة المتوقعة في تكلفة الرعاية الصحية والاجتماعية. وأمام هذا الوضع، أصبح من الضروري والمهم، وضع سياسات قومية ووطنية وتفعيلها وتنفيذها، لدعم نوعية الرعاية الصحية للمصابين بالخرف، ولدعم الأشخاص الذين يوفرون الرعاية لهم، سواء بشكل رسمي في المنشآت الصحية، أو بشكل غير رسمي من خلال أفراد العائلة والأصدقاء، وخصوصاً النساء اللائي يقع على كاهلهن 70% من الرعاية المقدمة حالياً للمصابين بالخرف، سواء في المنشآت الصحية أو في المنازل والبيوت.
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)