Research

الحدث السويدي وتطبيع "اليمين المتطرف" في أوروبا

  • محمد سالم السالمي
    رئيس قطاع البحوث والاستشارات
0 Views
Humanitarian Security

الحدث السويدي وتطبيع "اليمين المتطرف" في أوروبا


مقدمة

أعاد إقدام زعيم حزب "سترام كوكس"/"الخط الصلب" اليميني المتطرف، راسموس بالودان، على إحراق نسخ من القرآن الكريم، وما صاحبه من عنفٍ وعنفٍ مضاد في السويد، في 14 إبريل الجاري، تسليط الضوء مرة أخرى على ظاهرةٍ قديمةٍ جديدة في أوروبا، زاد صعودها في العقدين الفائت والراهن، ألّا وهي ظاهرة صعود اليمين المتطرف.

وقد أبلى المحللون والدارسون بلاءً حسناً في استقصاء جوانب مختلفة لهذه الظاهرة. فمنهم من جادل بأنها لا تقتصر على القارة الأوروبية، وإنما غدت مشكلة كونية تتطلب حلولاً كونية. ومنهم من استغرق في تحليل الظاهرة؛ بمعنى تشريح أبعادها ومظاهرها المتعددة. ومنهم من جاهد لتقديم أطرٍ تفسيرية لفهم تصاعد المد اليميني المتطرف في القارة العجوز. وهناك طائفة أخرى من الباحثين ربطوا بين تصاعد هذه الظاهرة ونمط إرهاب التفوق الأبيض، سواء اتخذ صورةً فردية (إرهاب الذئب المنفرد) أو منظمة. وأخيراً، هناك من عمد إلى استقراء تداعيات هذه الظاهرة على الديمقراطية الأوروبية والقيم الأساسية التي تقوم عليها الحضارة الغربية "الليبرالية".

تهدف هذه الورقة إلى الإسهام في التفكير الأكاديمي عن ظاهرة اليمين المتطرف، ولكنها تُركز على بعدٍ آخر لم يلتفت إليه معظم الدارسين يتعلق بالاتجاه نحو تطبيع الظاهرة وتحولها إلى التيار الرئيسي بل وتمتعها بالجدارة والتقدير في أوروبا. وفي سبيل ذلك، يتم استقراء المظاهر الرئيسية لظاهرة تطبيع اليمين المتطرف في أوروبا على مستويي الأفكار والممارسة السياسية، وتفسير ذلك ما أمكن. ولكن سوف يتم البدء بالإنجازات الانتخابية التي حققتها أحزاب اليمين المتطرف في عددٍ من الدول الأوروبية؛ كونها من أهم مؤشرات التطبيع.

أولاً- الإنجازات الانتخابية لأحزاب اليمين المتطرف في عددٍ من الدول الأوروبية

اقتحمت قوى اليمين المتطرف العملية السياسية على المستويين الوطني والأوروبي كمرشحين فرادى أو مؤتلفين مع أحزاب أخرى وسطية في الانتخابات المختلفة، ونجحت في تعزيز تأييدها الشعبي ووجودها البرلماني، وصولاً إلى المشاركة في ائتلافاتٍ حكومية، وتشكيل حكومات أغلبية. وربما لا تترجم نتائج الانتخابات السيطرة الفعلية لليمين المتطرف؛ لكنها تمثل اتجاهاً واضحاً لتطبيع الظاهرة في القارة الأوروبية. (عطوي، 2019، 19 يوليو).

في فرنسا، تمكنت زعيمة حزب "التجمع الوطني" مارين لوبان من تجاوز الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022، كما فعلت من قبل في الانتخابات السابقة. وبرغم هزيمتها في الجولة الثانية، فقد حصلت على نحو 42% من أصوات الناخبين؛ بمعنى أنها كسبت نحو 24% من أصوات الناخبين زيادةً عما حصلت عليه في انتخابات عام 2012، ونحو 8% عما حصلت عليه في انتخابات عام 2017 التي حلت فيها في المرتبة الثانية أيضاً (فرانس 24، 2022، 25 إبريل). أضف إلى ذلك أنّ الجولة الأولى من الانتخابات أبانت وجود استياءٍ عارم من السياسات التي تابعها مرشح يمين الوسط، إيمانويل ماكرون، طوال السنوات الماضية؛ إذ دعم أكثر من نصف الناخبين مرشحين ينتمون إلى أقصى اليمين أو أقصى اليسار .(BBC, 2022, April 24).

وفي النمسا، وصل "نوربرت هوفر" مرشح حزب الحرية اليميني المتطرف إلى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، في إبريل 2016، بحصوله على 36,4% من الأصوات. وعلى الرغم من خسارته في جولة الإعادة التي جرت في الشهر التالي أمام مرشح حزب الخضر، فإنها كانت بفارق ضئيل جداً لم يتجاوز بضعة آلاف من الأصوات (نذير، 2016). وفي الانتخابات التشريعية لعام 2017، حقق الحزب أفضل نتائجه في ظل رئاسة هاينز كريستيان ستراش، الذي ركز في حملته الانتخابية على معاداة الإسلام، بحصوله على 26% من الأصوات. وفي أعقاب الانتخابات، شارك في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب النمساوي. وفي انتخابات عام 2019، حقق حزب الحرية  النمساوي 16.2% فقط؛ فاقداً نحو عشر نقاط عما حصل عليه في الانتخابات الفائتة. كما انخفض نصيبه من أصوات الناخبين في الانتخابات الأوروبية التي جرت في العام نفسه أيضاً، ولكنه يظل ثالث أكبر الأحزاب في النمسا. (Álvarez-Rivera, n.d.).

أمّا سميه في هولندا، فقد تصاعدت شعبيته بزعامة جيرت فيلدرز، منذ تأسيسه عام 2006، بثبات ليصبح القوة السياسية الثانية في البلاد عقب الانتخابات العامة عام 2017، حيث حصل على 13% من أصوات الناخبين. ومع ذلك، فإن أفضل إنجاز انتخابي لحزب الحرية كان عام 2010، عندما حصد نحو 15.5% من الأصوات؛ ما جعله مؤهلاً لتأييد حكومة المحافظين الأقلية من الخارج. وبرغم انخفاض التأييد الانتخابي للحزب في انتخابات عام 2021، فإنه يظل القوة السياسية الثالثة في البرلمان الهولندي. وفي الانتخابات الأوروبية، وحقق حزب الحرية أكبر نتيجة عام 2009 بحصوله على 17% من أصوات الناخبين. وفي الانتخابات التالية عام 2014، حافظ الحزب على مركزه كونه القوة السياسية الهولندية الثانية في البرلمان الأوروبي، وإن قل نصيبه من التأييد الشعبي بنحو 3.7%. (عطوي، 2019، 14 يوليو).

وفي ألمانيا، أصبح حزب البديل لألمانيا ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد عقب انتخابات البوندستاج عام 2017، وفي ظل حملةٍ انتخابية ركزت على مناهضة الإسلام والهجرة (خوري 2021، 21 يونيو). ولكن في انتخابات عام 2021، تقلص تأييد الحزب إلى 10.3% من الناخبين، وإنْ ظل ضمن الأحزاب الخمسة الكبار في ألمانيا.  وعلى المستوى الأوروبي، تحسن الأداء الانتخابي للحزب في انتخابات عام 2019 عن الانتخابات السابقة؛ مؤمناً 11% من أصوات الناخبين. (Doerr, 2021).

ومنذ سنوات، يلعب حزب الشعب الدنماركي دوراً مهماً في الحياة السياسية في الدنمارك، وحقق أفضل نتائجه الانتخابية عام 2015 بحصوله على أكثر من 21% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية. غير أن هذا الدور تراجع بسرعة مع نجاح أحزاب أخرى، وهما "الخط الصلب" و"اليمين الجديد"، بالمزايدة عليه من خلال تبنّـيها أجزاء من أجندته المعادية للمهاجرين. ومن ثم، لم يحصل الحزب سوى على 8.7% من الأصوات في انتخابات عام 2019. وقدم هذا الحزب دائماً الدعم لحكومات أقلية يمينية متتالية مقابل سياسات هجرة أكثر تشدداً في العقدين السابقين. (Keesing's, 2020).

وفي النرويج المجاورة، برز حزب التقدم ممثلاً لليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية لعام 2009؛ بحصوله على نحو 30% من أصوات الناخبين. وفي الفترة ما بين الأعوام من 2013 إلى 2020، التي شهدت تجربتين انتخابيتين، شارك حزب التقدم في الحكومة متحالفاً مع المحافظين، الذين كسروا إحدى المحرمات السياسية بالتحالف مع اليمين المتطرف. وفي انتخابات عام 2021، خسر الحزب نحو 3.5% من تأييده الانتخابي، وإنْ ظل رابع أكبر حزب سياسي في البلاد. (عطوي، 2019، 21 يونيو).

ولا يتسع المقام هنا لاستعراض الأداء الانتخابي لسائر أحزاب اليمين المتطرف في الدول الأوروبية الأخرى، مثل حزب الديمقراطيين السويدي (حصل على 17.5% من الأصوات في انتخابات عام 2022)، وحزب الفنلنديين (حصل على 17.5% من الأصوات في انتخابات عام 2019)، وحزب فوكس الأسباني (حصل على 15% من الأصوات في انتخابات نوفمبر 2019)، وحزب استقلال المملكة المتحدة الذي كان القوة السياسية المنظمة الرئيسية وراء البريكست. ولكن لابد من الإشارة إلى الحالتين الإيطالية والمجرية؛ حيث تم تشكيل حكومات يسيطر عليها تيار اليمين المتطرف أو اليمين الجديد كما يُطلق عليه في إيطاليا.

تتوزع أحزاب اليمين المتطرف أو الجديد في إيطاليا على أحزاب عدة، وهي حركة النجوم الخمس وحركة الرابطة وحزب إخوان إيطاليا. وفي الانتخابات التشريعية لعام 2018، حصلت هذه الأحزاب على32.7% و17.4% و4.4% من الأصوات، على التوالي. وعقب الانتخابات، شاركت الأحزاب الثلاثة في حكومة ائتلافية لم تدم سوى ثلاثة أشهر، لتتشكل حكومة ائتلافية جديدة بمشاركة حركتي الرابطة والنجوم الخمس في يونيو 2018. وقد سقطت هذه الحكومة لاحقاً في أغسطس 2019، لتقود حركة النجوم الخمس الشعبوية والمضادة للمؤسسة حكومة ائتلافية جديدة بمشاركة أحزاب يسار-الوسط (Vieten & Poynting, 2020)، تم استبدالها بحكومة وحدة وطنية في فبراير 2021.

ويسيطر حزب فيدس اليميني المتطرف، بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، على الحكومة في المجر منذ الانتخابات البرلمانية لعام 2010، التي فاز فيها بنحو 53% من الأصوات الشعبية، وبأغلبية ثلثي المقاعد.

وثمة مظهر آخر للتطبيع، وهو التحالفات الانتخابية بين أحزاب اليمين المتطرف وأحزاب يمين الوسط وأحزاب يسار الوسط في أوروبا. وقد أشرنا إلى بعض الحالات سابقاً، ونضيف هنا ما حصل في ألمانيا في الانتخابات الإقليمية لبرلمان ولاية تورينغن في فبراير 2020؛ حيث أيّد حزب البديل من أجل ألمانيا، بالتوافق مع الحزب الديمقراطي المسيحي، المرشح الليبرالي للحزب الديمقراطي الحر (Vieten, 2020). وفي عام 2015، تحالف الحزب الاجتماعي الديمقراطي مع حزب الحرية النمساوي محلياً؛ للحصول على الأغلبية في بعض المناطق، وكان ذلك من المحرمات في الحياة السياسية النمساوية لفترةٍ طويلة. (عطوي، 2019، 14 يوليو).

ثانياً- تطبيع اليمين المتطرف على مستوى الممارسة السياسية

لم يكن قيام بالودان بإحراق نسخٍ من القرآن الكريم، في حراسة الشرطة السويدية، أول تظاهرة مناهضة للإسلام ينظمها حزبه؛ فقد سبق تنظيمه تظاهرة مماثلة في كوبنهاجن في إبريل 2019 (BBC, 2022, April 19). وفي إبريل 2021، نشر "فيلدرز"، زعيم حزب الحرية الهولندي، مقطع فيديو على حسابه على"تويتر" عنون له بعبارة "لا للإسلام لا لرمضان.. حرية، لا للإسلام". ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، تضاعفت هجمات اليمين المتطرف ثلاث مرات بين الأعوام 2015 و2020. (The Economist, 2021, March 1).

على مستوى الممارسة السياسية، تتضح أهم تجليات ظاهرة التطبيع في انخراط اليمين المتطرف في التظاهرات والاحتجاجات والفعاليات المختلفة على المستويين الوطني والأوروبي كمشاركين ومنظمين وقادة رأي عام (نذير، 2016)، وكذلك في تبنّـي بعض رؤاهم من جانب أحزاب التيار الرئيسي، وترجمة بعض تصوراتهم السياسية بوساطة الحكومات الأوروبية.

وقد بينت الاحتجاجات والتظاهرات ضد إجراءات الإغلاق، والمعروفة باسم التظاهرات ضد الإجراءات الصحية Anti-hygienic Demos في عددٍ من الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا وهولندا وسويسرا والمملكة المتحدة، بجلاء كيف استغل تيار اليمين المتطرف هذه التظاهرات للترويج لآرائه وأفكاره، وكيف انخرط فعلياً في صفوف التيارات السياسية والمواطنين العاديين المعارضين لهذه الإجراءات، وكيف أكدت هذه التظاهرات والاحتجاجات فكرة التطبيع. وعلى الرغم من أن هذه الحركات الاحتجاجية للإجراءات الصحية أثناء أزمة كورونا لا يمكن وصفها بأنها يمينية-متطرفة شعبوية، فإن سخط أنصارها على النخب السياسية واستعدادهم لمشاركة منصات الاحتجاج مع تيار اليمين المتطرف يؤكد حجة تطبيع توجهات اليمين المتطرف. والحق أنّ مجرد عدم اهتمام المنظمين لهذه التظاهرات والاحتجاجات، والذين ينتمون إلى تيارات سياسية متباينة وبعضهم غير مُسيس أصلاً، بوجود أنصار اليمين المتطرف ومشاركتهم فيها لهو صدى لفكرة تطبيع رؤى الأخيرين. بعبارةٍ واحدة، ولّدت هذه التظاهرات والاحتجاجات دينامية خطرة، أسماها بعضهم "شعبوية الجائحة. وقد تمددت هذه الظاهرة الأخيرة نتيجة الظروف المتعلقة بالصحة العامة والرفاه الاجتماعي والأزمات السياسية، وفشل بعض الحكومات في التعامل مع تطورات الجائحة. كل ذلك أسهم في تطبيع ظاهرة اليمين المتطرف في أوروبا وآرائهم المضادة للمؤسسة. والحقيقة أنّ جائحة "كوفيد-19" أسهمت في صعود اليمين المتطرف. فالشعبوية الرقمية أثناء فترة الإغلاق أدت إلى زيادة التعبئة لليمين المتطرف، وفي الشوارع. (Vieten, 2020).

وبالحديث عن استغلال اليمين المتطرف للاحتجاجات الشعبية، نشير إلى استفادة التجمع الوطني بزعامة لوبان من أزمة حركة "السترات الصفراء" من الناحية السياسية؛ ليجسّد في أعين الفرنسيين المعارضة ضد ماكرون. وأظهرت الاستطلاعات أن لوبان هي الشخصية السياسية الوحيدة التي شهدت ارتفاعاً حاداً في شعبيتها خلال الأزمة، خاصةً أنها أرسلت مناضليها إلى الميدان؛ ليتمكنوا من الترويج لأفكارها اليمينية المتطرفة في قلب الاحتجاجات. (عطوي، 2019، 14 يوليو).

وثمة مؤشر آخر على تطبيع اليمين المتطرف يتمثل في تبلور حركية عبر قومية لقواه عبر أوروبا. فمثلاً في أغسطس 2020، قام احتجاج في ألمانيا ضد إجراءات كورونا شارك فيه مواطنون من هولندا والمملكة المتحدة وسويسرا. وفي التوقيت نفسه، قامت تظاهرة كبيرة شارك فيها نحو عشرة آلاف شخص في لندن للغرض نفسه. وفي عام 2008، قامت أحزاب عدة يمينية متطرفة بتأسيس منظمة "المدن ضد الأسلمة"، التي تهدف إلى مكافحة "الأسلمة" في أوروبا. وفي عام 2021، تم تشكيل تكتل أوروبا الأممية والحريات من 16 حزباً يمينياً متطرفاً في البرلمان الأوروبي يهدف إلى إضعاف المركزية الأوروبية. (Ashby, 2021).

ولاحظ الباحثون اتجاه الأحزاب التقليدية في بعض الدول الأوروبية لتبنّـي الحلول والإجراءات المتشددة لسحب البساط من تحت أقدام اليمين المتطرف، والحد من سيطرته على المزاج العام الأوروبي (نذير، 2016). فهذه الأحزاب عادة ما تلجأ إلى الخطاب اليميني المتطرف كنوع من المزايدة السياسية على أحزاب اليمين المتطرف لجذب الناخبين بغرض الفوز فى الانتخابات، وهو ما يدعم ظاهرة الإسلاموفوبيا وليس محاصرتها. فقد شرعت حكومات أحزاب التيار الرئيسي  قوانين أمنية تستهدف المسلمين بشكل غير متناسب، وبحجة حماية العلمانية ونمط الحياة الأوروبي. (أبوطالب، 2022).

وفي ألمانيا، تستخدم الأحزاب السياسية الألمانية الليبرالية حديثاً خطاباً معادياً للإسلام. وفي تقريرها عن جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية الفرنسية (24 إبريل 2022)، أشارت صحيفة الفاينانشال تايمز إلى فقدان الناخبين المسلمين في فرنسا الثقة في الرئيس إيمانويل ماكرون بسبب، ضمن عوامل أخرى، تحوله إلى الاتجاه المحافظ وتركيزه على الأمن بين مسلمي فرنسا الذين يبلغ عددهم نحو 5 ملايين نسمة، وأنهم لا يرون أن الوضع سوف يكون أسوأ لو فازت لوبان بالرئاسة. (Abboud, 2012, April 21).

وفي المملكة المتحدة، تحول حزب المحافظين إلى جناح يميني أحادي النظر أو شديد المحلية، وتبنّى نظرة شعبوية غداة التوجه إلى البريكسيت (Freeden, 2017)، عندما تنازل للمتشددين المعارضين للاتحاد الأوروبي داخل الحزب، وتزعم فكرة الخروج من الاتحاد. وكان تصويت الأغلبية لصالح البريكست هو الذي دفع إليه وجاهد من أجله حزب الاستقلال للمملكة المتحدة، وهو حزب اليمين المتطرف، لسنوات عدة. (Vieten, 2020).

وفي مايو 2016، على الرغم من انتقادات المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان وأحزاب المعارضة والمنظمات اليسارية، لاسترضاء اليمين المتطرف، فإن الحكومة اليمينية في بولندا قامت بحل هيئة استشارية وتنسيقية حكومية تعاملت مع "التمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بها من تعصب من خلال الادعاء بأن مهمتها كانت "غير مجدية".

وفي النمسا، التي كان يشارك حزب الحرية اليميني المتطرف في حكومتها، أطلقت الحكومة النمساوية "خريطة الإسلام في النمسا"، في مايو 2021، حيث يقدم المشروع معلومات وبيانات عن الجمعيات والمساجد والمؤسسات التعليمية الإسلامية في النمسا، مع بيانات عن تصنيفها العرقى وتوجهها الأيديولوجي وعلاقاتها الخارجية والداخلية. وهو ما فتح الباب لمجموعة من الاعتداءات على المسلمين ورموز الإسلام، حيث ظهرت لافتات تحذيرية وتحريضية أمام العديد من المساجد في مدن عدة، وأعلنت حركة "الهوية اليمينية" المتطرفة مسؤوليتها عن تعليق هذه اللافتات العنصرية. (أبوطالب، 2022).

وقد أبانت الحرب الأوكرانية عن تصرفات عنصرية من جانب الحكومات الأوروبية، ولاسيما الحكومة البولندية، في التعامل مع اللاجئين غير البيض، لا تختلف كثيراً عن ممارسات قوى اليمين المتطرف. وبينما يحظى اللاجئون الأوكرانيون بحقوق اللاجئين كافة بحسب اتفاقية عام 1951 الخاصة بشؤون اللاجئين، لم تتوافر هذه الحقوق للاجئين السوريين أو حتى الأفغان الذين تعاونوا مع قوات الدول الأوروبية في أفغانستان. بل إنّ بريطانيا، وتسير الدنمارك على خطاها، أصدرت قراراً بإرسال طالبي اللجوء لديها إلى رواندا. وبموجب هذا القرار، سيتم نقل الأشخاص الذين دخلوا أراضي المملكة بصورة غير شرعية اعتباراً من الأول من يناير 2022، إلى رواندا، ليقدموا طلبات اللجوء في رواندا والبقاء فيها في حال نجاح طلب اللجوء. (BBC, 2022, April 22).

وفي عام 2016، أقر مجلس النواب الدنماركي "قانون المجوهرات"؛ ما يسمح للحكومة بمصادرة أي مقتنيات لدى طالبي اللجوء تزيد قيمتها عمّا يعادل نحو 1000 دولار آنذاك. كما نصت مادة، وردت ضمن حزمة قوانين صدرت في الوقت ذاته، على إطالة مدة لمّ شمل أفراد الأسرة الواحدة لمدة قد تصل إلى 3 سنوات. وبعد انتخابات عام 2019، تبنّـت الحكومة الدنماركية التي يقودها الحزب الاشتراكي الديمقراطي سياسة "صفر لجوء"؛ بمعنى وضع نهاية لطلبات اللجوء (من جانب السوريين والشرق أوسطيين عموماً) في الدنمارك. ومنذ عام 2021، تقوم السلطات الدنماركية بمراجعة إقامات اللاجئين السوريين لديها، للنظر في إمكانية عودتهم إلى بلادهم. (عبدالرازق، 2022، 21 إبريل).

وبصفة عامة، انتُقدت الدول الأوروبية بسبب المعايير المزدوجة في التعامل مع اللاجئين الأوروبيين (البيض) وغير الأوروبيين، والعنصرية تجاه الملونين على الحدود الأوكرانية-البولندية، بينما تجري بعضها، مثل الدنمارك والمملكة المتحدة، محادثات مع رواندا قد تفضي إلى إرسال طالبي اللجوء "غير الأوروبيين" إلى الجمهورية الأفريقية (Venturi & Vallianatou, 2022).

خاتمة

تحمل معظم أحزاب اليمين المتطرف رؤى ضد الإسلام، وتتبنّـى نوعاً من القومية الإثنية، وتروج لنفسها على أنها المخلص للحضارة الغربية من التهديد الإسلامي الذّي يمثله المهاجرون (Doerr, 2021). ومنذ عام 2016، نلاحظ أنّ ثمة تطبيعاً سريعاً للأفكار الشعبوية لليمين المتطرف في مجتمعات أوروبية مختلفة؛ فالخطاب العنصري والتكتيكات الخطابية لليمين المتطرف تم تبنّـيها بواسطة أحزاب التيار الرئيس ووسائل الإعلام السائدة  (Vieten & Poynting, 2020). فالنجاح الانتخابي لأحزاب اليمين المتطرف في دول أوروبية عدة، كما قدمنا، يعني أنّ وسائل الإعلام السائدة تستضيف السياسيين المنتمين إلى هذه الأحزاب مثل غيرهم من السياسيين الحزبيين المنتخبين ديمقراطياً. وبهذه الطريقة، تُصبح رؤى وتصورات اليمين المتطرف لعالمي الأحداث والأفكار طبيعية وجديرة بالتقدير (Vieten, 2020).

وقد باتت القضايا التي تنبع من أيديولوجية اليمين المتطرف محور النقاش العام في أوروبا، وعلى رأسها الهجرة، ومكافحة التعددية الثقافية، ونقد الإسلام و"الإرهاب الإسلامي"، وتعزيز الهوية، ومستقبل التكامل الأوروبي. كما سيطرت هذه القضايا على طاولات النقاش والمناظرة للتيار الرئيس من الأحزاب السياسية، سواء يمين الوسط أو يسار الوسط (عطوي، 2019، 14 يوليو؛ خوري، 2021، 21 يوليو). فمثلاً، سيطرت قضايا الإسلام والهجرة والهوية على الحملات الانتخابية للمرشحين كافة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، في إبريل 2022 (Abboud, 2012, April 21).

والواقع أن وسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيما فيسبوك، أتاحت منصةً مهمة لأنصار اليمين المتطرف للتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم ونشرها (Ashby, 2021). وقد قام عدد من الدارسين بتحليل مضمون الاتصال على فيسبوك خلال أزمة جائحة كورونا، ولاحظوا تطبيعاً لبعض اتجاهات آراء اليمين المتطرف وقبولاً لها ضمن التيار الرئيسي من المستخدمين. ويتضح ذلك من وجود سمات شعبوية ومضادة للمؤسسة، بل وتأثير لنظريات المؤامرة، في تفاعلات المستخدمين بشأن الجائحة العالمية، وهي أهم سمات أيديولوجية اليمين المتطرف (Boberg et al., 2020).

كما أنّ فشل بعض النخب السياسية في التعامل مع تداعيات الأزمة الصحية التي فجرتها جائحة "كوفيد-19" وفرت تربةً خصبة للأفكار الشعبوية العنصرية لليمين المتطرف، ولاسيما المعادية للمؤسسة والقومية الإثنية ورهاب الأجانب (Vieten, 2020; Vieten & Poynting, 2016). ووفقاً لبعض الدارسين، فإنّ رهاب الأجانب أكثر من العنصرية مرتبط بشعبوية اليمين المتطرف. وقد صك بعضهم مصطلح "شعبوية رهاب الأجانب xenophobic populism لتمييز أيديولوجية اليمين المتطرف، وعزاها إلى موجة اللاجئين الجديدة إلى أوروبا منذ عام 2015 (Vieten, 2020). والحق أنّ في صلب أفكار اليمين المتطرف نظرة عالمية مانوية تلخص كل شيء في فكرتي الخير والشر، وتتعارض، من ثم، مع فكرة الحلول الوسط التي تقوم عليها الديمقراطية الليبرالية (Wodak, 2019). وقد ظهرت هذه الفكرة في أوروبا أثناء الحرب الأوكرانية الراهنة. فمن أجل خلق حقيقة بديلة تغطي على العنصرية الأوروبية تجاه اللاجئين السوريين وغيرهم وتجاه اللاجئين غير البيض من أوكرانيا، تم الترويج لفكرة أنّه يجب على دول الشرق الأوسط أن تعتني بجيرانهم اللاجئين كما تعتني الدول الأوروبية باللاجئين الأوكرانيين (عبدالرازق، 2022، 21 إبريل).

المراجع

  1. أبوطالب، ح، (2022، 19 إبريل). صعود اليمين ومحنة المسلمين الأوروبيين. الوطن. https://2u.pw/ozpD9
  2. عبدالرازق، ح، (2022، 21 إبريل). اللجوء إلى الدنمارك: ترحيب حار بالأوكرانيين و "تمييز مستتر" بحق السوريين. BBC News عربي، https://www.bbc.com/arabic/world-61182718
  3. نذير مروة، (2016). تداعيات مقلقة: مؤشرات وأسباب صعود اليمين المتطرف في أوروبا. مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة. مستخرج في 22 إبريل 2022، https://2u.pw/1B1X3
  4. فرانس 24. (2022، 25 إبريل). الانتخابات الرئاسية الفرنسية: مارين لوبان تفشل مجدداً في الوصول إلى سدة الحكم، https://2u.pw/hFdua
  5. خوري، ر، (2021، 21 يونيو). صعود اليمين المتطرف وهبوط اليسار المتشدد. إندبندنت عربية، https://2u.pw/Trby5
  6. عطوي، م. هـ. (2019، 14 يوليو). اليمين المتطرف يخطط لـ "عرش أوروبا". الخليج.
  7. Álvarez-Rivera, M. (n.d.). Election Resources on the Internet: Federal Elections in Austria - Elections to the Nationalrat (National Council). http://electionresources.org/at/
  8. Ashby, H., (2021). Far-Right Extremism Is a Global Problem. Foreign Policy, Retrieved April 20, 2022, from https://foreignpolicy.com/2021/01/15/far-right-extremism-global-problem-worldwide-solutions/.
  9. Boberg et al. (2020). Pandemic Populism: Facebook Pages of Alternative News Media and the Corona Crisis—A Computational Content Analysis. Muenster Online Research (MOR) Working Paper 1.
  10. Doerr, N., (2021). The Visual Politics of the Alternative for Germany (AfD): Anti-Islam, Ethno-Nationalism, and Gendered Images. Soc. Sci. 2021, 10(1), https://doi.org/10.3390/socsci10010020.
  11. Freeden, M., (2017). After the Brexit Referendum: Revisiting populism as an ideology. Journal of Political Ideologies 22: 1–11.
  12. Keesing's record of world events. (2020, 2021). Annual reference supplement. London, Longman.
  13. Venturi, E. & Vallianatou, A. I., (2022). Ukraine Exposes Europe’s Double Standards for Refugees. Chatham House. https://www.chathamhouse.org/2022/03/ukraine-exposes-europes-double-standards-refugees.
  14. Vieten, U. M. & Poynting, S., (2016). Contemporary Far-Right Racist Populism in Europe. Journal for Intercultural Studies 37: 533–40.
  15. Vieten, U. M. & Poynting, S., (2020). The Avoidable Normalisation of the Global Far-Right. Bingley: Emerald publishing.
  16. Vieten, U.M., (2020). The “New Normal” and “Pandemic Populism: The COVID-19 Crisis and Anti-Hygienic Mobilisation of the Far-Right. Soc. Sci. 9(1). https://doi.org/10.3390/socsci9090165
  17. Wodak, R., (2019). The micro-politics of right-wing populism. In Populism and the Crisis of Democracy, vol. 2, Politics, Social Movements and Extremism. Edited by F. Gregor, M. Juergen & B. S. Turner. Abingdon and New York: Routledge, pp. 11–29.
  18. Abboud, L. (2012, April 21). ‘A demand for dignity’: How French Muslims lost faith in Macron after security shift. Financial Times. https://www.ft.com/content/8254e5ee-304a-41ac-b57b-90d6bd02fb0b.
  19. The Economist, (2021, March 1). How far-right extremism is becoming a global threat. Retrieved April 22, 2022 from https://www.economist.com/international/2021/03/01/how-far-right-extremism-is-becoming-a-global-threat.
  20. BBC, (2022, April 19) ، إحراق المصحف في السويد: كيف يجب التعامل مع من يسيء لمعتقدات الآخرين؟. BBC News عربي، https://www.bbc.com/arabic/interactivity-61135216
  21. BBC, (2022, April 22)، الهجرة: هل بريطانيا أول دولة ترّحل طالبي اللجوء إلى دول أخرى؟ BBC News عربي. https://www.bbc.com/arabic/world-61175161
  22. BBC, (2022, April 24) ، الانتخابات الفرنسية: فرنسا تترقب الفائز بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان. BBC News عربي، https://www.bbc.com/arabic/middleeast-61209823.

: 28-April-2022

Reviews (0)


       


Related Research

©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.

'