في تحدٍّ واضح وصريح لقواعد القانون الدولي الإنساني، استهدفت ميليشيات "حركة أنصار الله" الحوثية مناطق ومؤسسات مدنية في الأراضي الإماراتية؛ ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص، وإصابة ستة آخرين، وذلك في انتهاك واضح للقواعد القانونية والأخلاقية التي تحظر الهجوم على المنشآت المدنية والمدنيين، وهو سلوك دأبت عليه هذه الميليشيات أكثر من مرة مما يشكل جريمة عدوان، وجرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يستوجب رداً حاسماً من المجتمع الدولي على هذا السلوك الذي يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
وتعرض هذه الورقة باختصار دوافع اللجوء المتزايد من قبل ميليشيات الحوثي لاستهداف المدنيين في اليمن ودول الجوار، ووقوع هذا العدوان في باب الجرائم ضد الإنسانية، ودلالات العملية الإرهابية التي نفذتها هذه الميليشيات على الأراضي الإماراتية من زاوية تأثيرها على حالة الأمن الإقليمي، والتحرك الدولي المطلوب للتصدي لمثل هذه السلوكيات المزعزعة للاستقرار في المنطقة برمتها.
أولاً: دوافع الاستهداف:
اعتقد البعض خطأً أن محاولات التهدئة التي شهدتها المنطقة خلال الفترة الماضية قد تنعكس إيجابياً على الأزمة اليمنية، وعلى وقف إيران عمليات تهريب السلاح إلى أذرعها الميليشياوية في الإقليم، وإيقاف أعمال التخريب التي تمارسها جماعة الحوثي ضد دول الجوار وفي الممرات المائية الدولية؛ الأمر الذي أثار عدة تساؤلات من بينهما: لماذا توسعت ميليشيات الحوثي في استهداف المدنيين في هذا التوقيت؟
وفي إطار الإجابة عن هذا التساؤل، يمكن الإشارة إلى عدد من الأسباب التي تجعل ميليشيات الحوثي توسع من قاعدة استهدافها في الإقليم في هذه المرحلة الخطيرة من عمر الأزمة اليمنية، والتي من بينها:
1- التغطية على الهزائم المتتالية: تعد الاعتداءات الإرهابية التي نفذتها ميليشيات الحوثي ضد الأهداف المدنية في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إحدى الوسائل التي يحاول من خلالها الانقلابيون الحوثيون مواجهة الضغوط والهزائم التي تحاصرهم في الداخل، والتي أفقدتهم توازنهم، خاصة بعد نجاح العمليات العسكرية الأخيرة التي قام بها الجيش اليمني، بدعم وغطاء من قوات التحالف العربي. وقد دخلت المواجهة بين ميليشيات الحوثي وقوات الجيش اليمني منعطفاً جديداً، مع إصرار الانقلابيين على عسكرة المنشآت المدنية، واستخدامها في تخزين الأسلحة وإطلاق المسيَّرات المفخخة لاستهداف الجنوب اليمني والمملكة العربية السعودية.
2- خلق زخم إعلامي: تلجأ ميليشيات الحوثي، كعادتها، في كل مرة تتزايد عليها الضغوط العسكرية من قبل الجيش اليمني وقوات التحالف إلى محاولة استهداف المرافق المدنية والمدنيين في الخارج، من أجل خلق حالة من الزخم الإعلامي تسمح لهم بالتغطية على هزائمهم المتلاحقة[1]، ومحاولة رفع الروح المعنوية لأفراد الميليشيات في جبهات القتال، حيث سعى الحوثيون باستهداف البنية التحتية في الإمارات إلى إنقاذ الروح المعنوية المنهارة لدى عناصرهم؛ بسبب حجم الخسائر التي تعرضوا لها على مدار الفترات الماضية، ولاسيما بعد القضاء على عدد من عناصرهم القيادية.
3- المفاوضات الجارية في جنيف: يأتي هذا الاستهداف في ظل المفاوضات الجارية في جنيف حول الملف النووي الإيراني، أو بين "مجموعة 4+1" وليس "مجموعة 5+1"، وهي الدول التي لم تنسحب من الاتفاق النووي الموقّع مع إيران عام 2015 باعتبار أن الولايات المتحدة بعد انسحابها رسمياً في أغسطس 2018 من هذا الاتفاق لم تعد طرفاً فيه، تلك المفاوضات التي ربما تسفر هذه المرة عن الوصول إلى تفاهمات أو تقدم ما بين إيران وهذه الدول. وتحاول إيران توظيف أذرعها في الإقليم، (الميليشيات المسلحة التابعة لها في العراق، واليمن، ولبنان)، كورقة ضغط تستخدمها في هذه المفاوضات.
واللافت للنظر هنا أنه قبل وقوع الهجمات الإرهابية الحوثية على دولة الإمارات بأربعة أيام فقط، تم استهداف مجمع السفارات الأمريكية في المنطقة الخضراء ببغداد. وهنا، يمكن القول إن دول الخليج العربي محقة تماماً في مطالبها بربطها بين الملف النووي الإيراني وبين ما تعتبره مشروعاً إقليمياً إيرانياً تتدخل طهران من خلاله في الشؤون الداخلية لدول الإقليم، وتهدد أمنها واستقرارها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر وكلائها[2].
4- الاعتقاد بعدم الخضوع للمساءلة الدولية: يأتي الإرهاب الحوثي باستهداف المدنيين في دول الجوار أيضاً في إطار اختراق قرارات الشرعية الدولية وتجاهلها والاستخفاف بها، وتهديد الأمن والسلم الدوليين. وكما قال عبدالله بن المقفع في ترجمته للكتاب الشهير كليلة ودمنة: "من أَمِنَ العقوبة أساء الأدب"، ولهذا تتصرف جماعة الحوثي في المنطقة، عابثة بالأمن والسلم الدوليين؛ اعتقاداً منها بأنها لن تخضع للمساءلة والمحاسبة من قبل المجتمع الدولي.
5- دوافع الانتقام: يتعلق الهجوم الإرهابي للميليشيات الحوثية برغبة انتقامية ضد دولة الإمارات، التي لعبت دوراً كبيراً في دعم قوات الجيش اليمني المدعومة من قبل التحالف العربي، والتي بدورها دحرت الحوثيين في شبوة والآن في مأرب.
ثانياً: اعتداءات الحوثي.. جرائم ضد الإنسانية
في ظل سلوكيات وممارسات ميليشيات الحوثي تجاه المدنيين داخل اليمن وفي الإقليم، يبرز تساؤل حول إمكانية اعتبارها جرائم ضد الإنسانية تهدد السلم والأمن الدوليين، إذ يكشف إمعان النظر في هذه السلوكيات على أرض الواقع عن أنها تتطابق مع تعريفات القانون الدولي لمفهوم الجرائم ضد الإنسانية.
فعلى أرض الواقع، خاطبت الحكومة اليمنية، مرات عديدة، مجلس الأمن الدولي بشأن استمرار العدوان الحوثي والاستهداف العشوائي المتكرر للسكان المدنيين والقرى في محافظتي مأرب وتعز، بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة؛ ما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا، وخاصة بين صفوف المدنيين بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن[3]. كما واصلت ميليشيات الحوثي انتهاكاتها للقانون الدولي باستهداف المدن السعودية والمنشآت المدنية من مطارات ومنشآت نفطية، وتكشف الإحصاءات والبيانات التي أعلنها تحالف دعم الشرعية في اليمن عن حجم الانتهاكات التي قامت بها هذه الميليشيات خلال السنوات الماضية، فقد قامت بإطلاق 372 صاروخاً باليستياً و659 طائرة مفخخة تجاه المملكة العربية السعودية، كما هددت الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب باستخدام 75 زورقاً مفخخاً و205 ألغام بحرية و96292 مقذوفاً، وذلك في دليل واضح على أنها تمتلك منظومة متنوعة ومتطورة من الأسلحة، حصلت عليها بدعم إيراني[4]. كما تتنوع طبيعة الجرائم الحوثية في اليمن، ما بين الاعتقالات التعسفية، في ظل غياب محاكمات عادلة أو حتى صورية، وتجنيد الأطفال دون سن الحرب، واستهداف المدنيين أو استعمالهم كدروع بشرية، وتحويل بعض المؤسسات الخدمية إلى قواعد عسكرية في مواجهة قوات دعم الشرعية.
ولم تكتف ميليشيات الحوثي بقتل الآلاف في اليمن، ولكنها باتت أكثر توحشاً، حيث تريد توسيع رقعة ضحاياها بقتل مزيد من الأبرياء في الإقليم؛ فعلى صعيد الداخل اليمني لايزال النزاع المسلح يحصد الآلاف من الأرواح، في حين أُجبر نحو 40 ألف شخص في مأرب وأكثر من 10 آلاف في الحُديدة على ترك منازلهم بحثاً عن الأمان، وذلك خلال الفترة من سبتمبر إلى بداية ديسمبر 2021. وتهدد العمليات العسكرية لميليشيات الحوثي حياة المدنيين وسبل كسب عيشهم، كما تعوق حصولهم على الخدمات الأساسية، ومنها المياه والغذاء والرعاية الصحية والتعليم[5]. وعلى مستوى الإقليم، فبرغم الترسانة القانونية الدولية، وخاصة قانون الحرب، التي تصنف استهداف المدنيين في النزاعات المسلحة ضمن خانة الجرائم ضد الإنسانية، فإن ميليشيات الحوثي جعلت من المدنيين هدفاً ثابتاً في استراتيجيتها الإرهابية، سواء من خلال استهدافهم مباشرة، مثل ما حدث مع الهجمات الإرهابية المتكررة على المطارات والمنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، وكذلك في الهجوم الأخير على المؤسسات المدنية والنفطية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويبدو أن التعاطي السلبي والتعامل الناعم للمجتمع الدولي خلال الفترة الماضية مع الممارسات الإرهابية للحوثيين، دفعهم إلى الاستمرار في تعنتهم وضرب عرض الحائط بالتحذيرات التي تطلقها المنظمات الإقليمية والدولية لوقف هذه الممارسات التي تدخل في خانة الجرائم ضد الإنسانية[6]. ولا شك أن هذه الممارسات تتطابق مع تعريف القانون الدولي لمفهوم الجرائم ضد الإنسانية، وهي وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تلك الأفعال الجسيمة التي ترتكب ضد السكان المدنيين ويكون ارتكابها مُمنهجاً وفي نطاق هجوم واسع، سواء تم اقترافها في إطار النزاع المسلح أو في وقت السلم، وقد حددت المحكمة في المادة (7) من هذا النظام 11 نوعاً من الممارسات التي تعتبر أفعالاً ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانية[7]. وفي هذا السياق، تحظر اتفاقية جنيف الرابعة المعنية بحماية المدنيين الاستهداف المتعمّد للمدنيين في الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وأكدت على أن انتهاكات هذا الحظر تخضع للمساءلة وللمقاضاة حسب القانون الدولي، بما في ذلك أمام المحكمة الجنائية الدولية[8].
ثالثاً: المجتمع الدولي في مواجهة ميليشيات الحوثي
تستوجب الأزمة اليمنية التي تتفاقم أوضاعها وتتصاعد وتيرتها وترتفع أعداد ضحاياها بسبب الإرهاب الذي تمارسه جماعة الحوثي، ليس فقط في الداخل اليمني وإنما في اعتداءاتها المتكررة على أراضي دول الجوار أيضاً - تستوجب أن يكون هناك موقف دولي حاسم وقادر على فرض الشرعية الدولية والمشروعية السياسية في الداخل اليمني؛ ففي ظل تمادي ميليشيات الحوثي باستهداف منشآت البنية التحتية والمدنيين في الداخل والخارج اليمني، فإن الأسرة الدولية مطالبة الآن بتحرك أكثر صرامة إزاء التهديدات الاستراتيجية للسلم والأمن الدوليين. وعليه، فإن المجتمع الدولي مطالب بالقيام بـ:
1- إخضاع قيادة الميليشيات الحوثية للمساءلة والمحاسبة للقانونية عبر المحكمة الجنائية الدولية، ومحاكمتهم كمجرمي حرب عن الجرائم التي ارتكبوها في حق المدنيين من أعمال قتل، واستخدامهم كدروع بشرية، وتهجير قسري، وتدمير الممتلكات اليمنية، واستهداف البنية التحتية في دول الجوار.
2- عدم التأخر، أكثر من ذلك، في فرض الأمن والاستقرار في اليمن، حتى ولو تطلب ذلك إصدار قرارات دولية تلزم الحوثيين بالانصياع إلى إرادة المجتمع الدولي لإنهاء الأزمة في البلاد.
3- التعامل بحسم وجدية مع التدخلات الإيرانية في الإقليم، وربط مفاوضات الملف النووي بمساعي طهران تطوير برامج الصواريخ الإيرانية، عبر مزيد من العقوبات الدولية عليها.
4- ضرورة ابتكار آليات مراقبة ومتابعة ناجعة لعمليات نقل الأسلحة بطرق غير مشروعة، ومنع وصولها لجماعة الحوثي، بما في ذلك فرض عقوبات أكثر ردعاً على الدول والجهات التي تقوم بتهريب السلاح لليمن.
5- تقديم قيادات ميليشيات الحوثي إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومحاكمتهم كمجرمي حرب؛ وذلك من أجل وقف انتهاكاتهم واستهدافهم المنشآت المدنية، وإجبارهم على احترام قواعد القانون الدولي.
وفي النهاية، فإن ميليشيات الحوثي لن تتوقف عن العدوان على المدنيين، مادامت الأسرة الدولية لم تتحرك وتتحمل مسؤولياتها الأدبية والسياسية والأمنية والتاريخية لإقرار عملية السلام والاستقرار في اليمن، وحرية العبور الآمن في المضايق والبحار الدولية؛ الأمر الذي يتطلب آليات وسبل مواجهة جماعية عبر تقديم المسؤولين الحوثيين إلى المحاكمة الجنائية الدولية، ووقف عمليات تهريب السلاح الإيراني إلى اليمن، ومواجهة الميليشيات المسلحة في كل أنحاء الإقليم لإنهاء عصر الحروب بالوكالة.
المراجع
[1] - المشهد العربي، استهداف المنشآت المدنية.. سلاح الحوثيين للهروب من الضغوط، 19 مايو 2019. لمزيد من التفاصيل انظر: https://almashhadalaraby.com/news/93160
[2] - د. محمد السعيد إدريس، حادثات فيينا النووية وتحديات المشروع الإيرانى، دراسة منشورة على موقع مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 15 يناير 2022. https://acpss.ahram.org.eg/News/17369.aspx
[3] - أوسان سالم، اليمن يخاطب مجلس الأمن حول جرائم الحوثي ضد المدنيين في مأرب وتعز، العربية نت، 4 نوفمبر 2021، https://bit.ly/3KheVRI
[4] - يوسف جمعة الحداد، خطر الصمت الدولي على جرائم الحوثي، مجلة درع الوطن، السنة 49، العــدد 594، يوليو 2021.
http://www.nationshield.ae/uploads/posts/aae1c3db82d66db8e0dd1ba7823afb3c.pdf
[5] - اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التصعيد في اليمن: المدنيون يدفعون ثمن احتدام الأعمال القتالية الأخيرة، 1 ديسمبر 2021، https://www.icrc.org
[6] - لمزيد من التفاصيل، انظر: https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=5037&lng=arabic
[7] - قحاز محمد، ازدواجية تطبيق القانون الدولـي الإنساني.. (دراسة مقارنة بين الأزمتين اليمنية والليبية)، مركز جيل البحث العلمي، 6 أكتوبر 2016، https://jilrc.com
[8] - لمزيد من التفاصيل، انظر: https://ar.guide-humanitarian-law.org/content/article/5/mdnywwn /
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)