يحتفل العالم في 12 من أغسطس كل عام بـ "اليوم
الدولي للشباب"، الذي يعدُّ مناسبة لمناقشة قضايا الشباب وآليات الاستفادة من
قدراتهم باعتبارهم شركاء في المجتمع العالمي. وجاءت فكرة هذا اليوم، كمقترح من
مجموعة الشباب الذين شاركوا عام 1991 في العاصمة النمساوية فيينا بـ "الدورة
الأولى لمنتدى الشباب العالمي"، إذ أوصى ذلك المنتدى بإعلان يوم دولي للشباب
لجمع تمويل يدعم صندوق الأمم المتحدة للشباب بالشراكة مع المنظمات الشبابية. وفي عام 1998 اعتُمد يوم 12
أغسطس من كل عام بوصفه يومًا دوليًّا للشباب، وذلك خلال الدورة الأولى للمؤتمر
العالمي للوزراء المسؤولين عن الشباب، الذي استضافته حكومة البرتغال بالتعاون مع
الأمم المتحدة، وهو ما أيدته الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال دورتها رقم 54 في
ديسمبر 1999([1]).
ولا توجد مظاهر محددة للاحتفال بهذا اليوم، غير أنّ
أبرزها هو فتح المنظمات الدولية لمنصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي لمناقشة
القضايا التي تهم الشباب ودورهم، وذلك عبر وسْم #YouthLead. وشهد هذا العام تنظيم إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية ندوة
عالمية بعدة لغات، عبر الإنترنت بالتعاون مع مبادرة الأمم المتحدة العالمية بشأن
قضايا: التوظيف و"الاقتصاد الأخضر"([2]).
وتأتي هذه
الندوة، استمرارًا لسياسات واستراتيجية الأمم المتحدة ومنظماتها مع العديد من
التكتلات الإقليمية، التي تعمل على إطلاق البرامج والمبادرات المختلفة لتمكين
الشباب ودمجهم في عمليات صناعة السياسات الخاصة بخطط التنمية لتقليل معدلات
البطالة بينهم، وجعْلهم مشاركين في دعم السلام العالمي. وتأكيدًا على أهمية دور
الشباب في صياغة مستقبل المجتمع الدولي، أعلنت الأمم المتحدة خطة للتركيز على تنمية
مهارات الشباب فيما يتعلق بـ "الاقتصاد الأخضر"، وذلك ضمن احتفالات
العام الحالي 2023 ([3]).
فقد كانت التنمية والسلام والمشاركة، هي الموضوعات
الثلاثة الأكثر أهمية بالنسبة للشباب خلال الـ 40 عامًا الماضية داخل أروقة الأمم
المتحدة ومنظماتها المختلفة، وهو ما انعكس على طبيعة البرامج والمبادرات الأممية
والإقليمية الهادفة إلى دعم الشباب، التي ركزت على 10 مجالات رئيسية؛ هي: التعليم،
والعمل، والفقر، والصحة، والبيئة، ومكافحة المخدرات، والجريمة، وأنشطة أوقات
الفراغ، وقضايا الجندر، والحقوق الخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية، وهي عناصر مهمة
في تحسين وضع ورفاهية الشباب.
وممّا ساعد في تسارع وتيرة الحوار مع الشباب، هو
انخراطهم خلال السنوات العشر الماضية في العديد من الحركات الاجتماعية، التي ركزت
على العديد من القضايا العالمية بتأثيراتها المحلية والإقليمية، ومنها ما يهدف إلى
نشر قيم التسامح والعدالة الاجتماعية وقبول الآخر، إضافة إلى قضايا تغير المناخ
ومكافحة الأوبئة ووقف النزاعات والحروب باعتبارها تحديات تهدد الأمن العالمي.
وقبل الوقوف على أبرز قضايا الشباب خلال عام 2023، تبدو
هناك ضرورة لبيان عدة أرقام وإحصاءات وما تحمله من دلالات ترتبط بأهمية إشراك
الشباب في معاجلة القضايا والأزمات العالمية.
أولًا- الشباب أرقام ودلالات:
تنطلق أهمية الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة
في النظام والمجتمع الدولي وتفاعلاته المختلفة، ودورهم في تشكيل المستقبل، من
كونهم يمثلون 1.2 مليار نسمة بنسبة 16% من سكان العالم، التي يتوقع أن ترتفع إلى
1.8 مليار نسمة بحلول عام 2030 ([4]).
وما بين المشاركة والتمكين، يظل الهدف الرئيسي لدفع
الشباب نحو الانخراط في رسم مستقبل العالم، هو دورهم المحتمل في نزع فتيل النزاعات
المسلحة وتعزيز الأمن، وهو ما جاء في القرار رقم 2250، الصادر عن مجلس الأمن خلال جلسته
المنعقدة في ديسمبر 2015، الذي أكد أن الشباب غالبًا ما يشكّلون معظم السكان في
البلدان المتضررة من النزاعات المسلحة، وهو ما يؤدي إلى عرقلة حصولهم على فرص
التعليم والفرص الاقتصادية، وبالتالي يؤثر في جهود تحقيق السلام([5]).
الأمر الذي يمكن معه تفسير ما تضمنته استراتيجية الأمم
المتحدة للشباب 2030، إذ تعتمد على 3 أركان رئيسية، هي ([6]): الانخراط والمشاركة
ودعم أصوات الشباب، ثم التمكين الاقتصادي من خلال توفير فرص عمل لائقة وتعزيز
آليات وصول الشباب بشكل أكبر إلى هذا العمل اللائق لمساعدتهم في أن يكونوا عمالة
منتجة، وأخيرًا بناء السلام ودعم الشباب في هذا الأمر كعامل مساعد في تعزيز الأمن
والعمل الإنساني.
لذا؛ اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة برنامج العمل
العالمي للشباب في عام 2000، الذي يحدد إطارًا عالميًّا لمعالجة القضايا الرئيسية
ذات الصلة بالشباب وتعكس أيضًا الحوار المستمر منذ عقود وتطور قضاياه المختلفة.
وتضع العديد من البلدان تعريفًا خاصًّا بها حول الشباب
وفق معيار العمر، والذي غالبًا ما يشار إليه باسم "سن الرشد"، وهو عادة
18 عامًا؛ بحيث يُعدُّ الشخص راشدًا بمجرد بلوغه هذا العمر، لذا فإن التعريف
العملي والفروق الدقيقة لمصطلح "الشباب" تختلف من بلد إلى آخر، اعتمادًا
على العوامل الاجتماعية، والثقافية، والمؤسسية، والاقتصادية. ولكن؛ تبدو هناك
ضرورة لاعتماد تعريف الأمم المتحدة، الذي وضعته لأغراض إحصائية، إذ تعرّف
"الشباب" بأنهم "الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24
عامًا"، وهو التعريف الذي ظهر في سياق الاستعدادات لليوم الدولي للشباب عام
1985، واعتبر أيضًا أن من تقلّ أعمارهم عن 15 عامًا هم أطفالٌ([7]).
وتكشف الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة
([8]) الوزن النسبي للشباب
الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، وهو ما يمكن الوقوف عليه فيما يأتي:
1 – يبلغ عدد الشباب 1.2 مليار نسمة يمثلون 16% من سكان
العالم، ويُتوقع أن يرتفع العدد بحلول عام 2030 بنسبة 7% لتصل إلى ما يقرب 1.3
مليار، فيما يمثل الشباب والأطفال معًا، بما في ذلك جميع الأشخاص الذين تبلغ
أعمارهم 24 عامًا أو أقل، ما يقرب من 40% من سكان العالم.
2 – جغرافيًّا؛ يعيش نحو 85% من شباب العالم في البلدان
النامية، إذ يتركز أكبر عدد من الشباب في آسيا والمحيط الهادئ بما نسبته نحو 60%،
تليها قارة أفريقيا بـ 15%، ثم أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بـ 10%،
وأخيرًا 15% في باقي المناطق والدول المتقدمة([9]).
3 – من الناحية الاقتصادية؛ ترسم الأرقام الآتية خريطة
تركُّز الشباب في المناطق الأشد فقرًا، وهي([10]):
Ø
45.9% في البلدان ذات الدخل المنخفض، بينما يعيش نحو 34.1% في البلدان
ذات الدخل المتوسط الأدنى، وأخيرًا الـ 20% المتبقية من الشباب يعيشون في
البلدان ذات الدخل المتوسط والمرتفع.
Ø
هناك
ما يقرب من 238 مليون شاب يقعون تحت خط الفقر المدقع (أي أنهم يعيشون على أقل من
دولار واحد في اليوم)، و462 مليون شاب يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.
Ø
يعيش
نحو 255 مليون شاب في 19 دولة بها أكبر فجوات فقر، 15 من هذه البلدان تقع في قارة
أفريقيا وتحديدًا أفريقيا جنوب الصحراء.
4 – أما على الصعيد السياسي؛ فتكشف نتائج استطلاعات
للرأي أجرتها الأمم المتحدة عن أن 67% من المستطلعة آراؤهم يؤمنون بمستقبل أفضل،
وأن الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا هم الأكثر تفاؤلًا، كما يتفق 69% من
الأشخاص في جميع الفئات العمرية على ضرورة منح المزيد من الفرص للشباب ليكون لهم
رأي في تطوير/تغيير السياسات من شأنه أن يجعل الأنظمة السياسية أفضل. وهنا تكشف الإحصائيات عن ضعف
مشاركة الشباب في صياغة السياسات وصنع القرار، إذ بلغت نسبة أعضاء البرلمان الذين
تقل أعمارهم عن 30 عامًا إلى 2.6% فقط، تمثّل النساء أقل من 1% من مجموع النواب في
هذه الفئة([11]).
الأرقام السابقة؛ تنطوي على العديد من الدلالات، وهي؛
الأولى:
ارتفاع نسبة وأعداد المراهقين في الدول الأكثر فقرًا وتحديدًا في قارة أفريقيا،
وهو ما ترافقه عدة مشكلات تهدد الأمن العالمي، منها الانخراط في جماعات العنف
كبديل عن فرص العمل، وهو ما يعدُّ بيئة مناسبة لانتشار الجماعات الإرهابية، وتحديدًا
في أفريقيا التي يجري تجهيزها لإعادة بناء تلك التنظيمات، عبر تجنيد عناصر جديدة،
استغلالًا لحاجتهم وارتفاع معدلات الفقر والبطالة([12]).
أما الدلالة الثانية؛ فيعبّر عنها ارتفاع معدلات نمو أعداد الشباب عالميًّا، وهو ما باتت معه
مسألة "التمكين" أمرًا ضروريًّا وحلًّا لمواجهة ما يمكن اعتباره انفجارًا
محتملًا من شأنه أن يهدّد الأمن والاستقرار العالمي. لذا أصدرت الأمم المتحدة (UN) في عام 2018، استراتيجية
للشباب بحلول 2030، ترتكز على: التنمية المستدامة والسلام والأمن وحقوق الإنسان،
باعتبارها الآلية التي تستجيب بها البلدان للتغيرات الديموغرافية في العالم
ومستقبله([13]).
الدلالة الثالثة؛ تعبّر عنها طبيعة التحركات الدولية ذاتها، حيث تشير إلى ذلك الاتجاه
القائم على "الاستثمار في الشباب"، والذي يرتكز على تعزيز قدراتهم عبر
برامج عابرة للدول، استنادًا إلى عملية التشبيك القائمة بفعل التطور التكنولوجي.
الخلاصة؛ أن القضايا الشبابية حاليًّا تعتمد على محاور
رئيسية متكاملة تبدأ بدعم مشاركة الشباب في عملية التنمية المستدامة، وهو ما يساعد
في عملية تمكينهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، وبالتالي يعزّز دورهم في دعم
وتحقيق السلام داخليًّا وإقليميًّا وعالميًّا.
ثانيًا- التنمية والتمكين.. توظيف
مزدوج:
تعدُّ مسألة التوظيف وانخفاض معدلات البطالة، مدخلًا
وملمحًا لدور الشباب في التنمية، وهو ما يفسّر تركيز استراتيجية الأمم المتحدة
لخطة التنمية 2030 عليهم بوصفهم قاطرة لهذه العملية بشكل مستدام.
وترتبط العلاقية بين الشباب والتنمية، بملمح
"المشاركة" سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، إذ إن البيئة الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية التي يعيش فيها الشباب، تحدّد موقعهم في مسألة رسم سياسات
الدولة، وهو ما من شأنه الحد من التأثيرات السلبية للبطالة، التي أبرزها الفقر
ومعدلات الجريمة.
وبلغت نسبة البطالة عالميًّا بين الشباب 22.2%، كما أن 1
من بين كل 5 شباب لا يكتسب مهارات معيشية من خلال التعليم أو العمل أو التدريب على
أقل تقدير، وبالتالي يكون عرضة لما يعرف بـ "تجربة الانعزال الاجتماعي
والاقتصادي"، التي تعدُّ هدرًا لأحد أبرز موارد وأدوات الإنتاج في المجتمعات
والدول.
وتشير إحصائيات منظمة العمل الدولية، إلى انخفاض نسبة
الشباب في القوى العاملة العالمية من 21% عام 2000 إلى 15% في عام 2018، كما
انخفضت نسبة إجمالي عدد السكان خلال هذه الفترة، من 52.7% (573 مليون من 1.089
مليار) في عام 2000 إلى 42.9% (511 مليون من 1.19 مليار) في 2018. وتوزعت نسبة
القوى العاملة بين الفئة العمرية من 14 إلى 24 عامًا خلال الفترة من 2000 إلى
2020، بنحو 60% من الذكور و40% من الإناث، وهو ما يتطلب توفير نحو 600 مليون وظيفة
خلال الـ 15 عامًا المقبلة، خصوصًا أن 96.8% من القوى العاملة للشباب في البلدان
النامية تعمل في الاقتصاد غير الرسمي([14]).
وتفرض المتغيرات العالمية الراهنة ضرورة انخراط الشباب
في عملية الانتقال إلى "الاقتصاد الأخضر"، وذلك لمواجهة "أزمة
المناخ العالمية". إذ إن هذا الجيل من الشباب الذي يعاني من أزمات اجتماعية
وسياسية واقتصادية راهنة تحمل العديد من العواقب في المستقبل، من المقرر أن يشارك
بفاعلية في رسم خطط التنمية المستدامة، عبر فتح المجال لطرح الأفكار والمبادرات.
ففي عام 2018 أُطلقت حركة عالمية لطلاب المدارس في
السويد، لمطالبة الحكومات باتخاذ إجراءات أكبر لمكافحة تغير المناخ، وهو ما جرى تعزيزه
عبر منصة "أصوات الشباب" التي أطلقتها منظمة اليونيسيف، وأسهمت في
انتشار حركات الشباب الخاصة بمواجهة التغير المناخ، منذ عام 2019 ([15]).
وتعوّل منظمة الأمم المتحدة على جيل الشباب في مواجهة
تغير المناخ، خصوصًا مع تزايد الوعي بأهمية الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
الذي يهدد الحياة على الكوكب، وهو ما سيتحقق مع تمكينهم اجتماعيًّا واقتصاديًّا
وسياسيًّا.
وتركّز آليات تمكين الشباب على دعم أنشطتهم لإجراء
تغييرات إيجابية في مجتمعاتهم، لاسيما فيما يتعلق بتغيير البيئة الاجتماعية، وذلك
عبر دعم مبادرات التدريب وبناء قدراتهم، وتوفير فرص العمل المناسبة، والاندماج الاجتماعي([16]).
وهنا ينبغي التأكيد على دور الحكومات والأنظمة في تعزيز
عملية تمكين الشباب، إذ يؤدي انعدام الأمن الاجتماعي والاقتصادي إلى انخفاض الثقة
في الحكومات الوطنية والكيانات المؤسسية، وهو ما يقوّض شرعيتها من ناحية ويهدد أمن
واستقرار المجتمع من ناحية أخرى، وبذلك يتّضح دور الشباب في تعزيز الأمن ونشر
السلام.
ثالثًا، الشباب وتعزيز العمل المناخي
في "كوب28":
تدعم منظومة الأمم المتحدة الدور الذي يلعبه الشباب في
التصدي لظاهرة تغير المناخ، وتعمل بشكل وثيق مع العديد من الدول والمنظمات لتعزيز
هذا الدور حول العالم، من خلال ما يعرف باسم "مبادرة الإطار المشترك للأمم
المتحدة بشأن الأطفال والشباب وتغير المناخ"، التي تم إطلاقها منذ عام 2008،
بهدف تنسيق الجهود من قبل 16 هيئة حكومية دولية والعديد من المنظمات الشبابية
لتمكين الشباب من اتخاذ إجراءات التكيف والتخفيف وتعزيز المشاركة الفعالة للشباب
في تغير المناخ عبر عمليات صنع القرار السياسي([17]).
واستجابة للطلب المتزايد من المنظمات الشبابية للمشاركة
في جهود مواجهة التغير المناخي، وسَّعت الأمم المتحدة في عام 2009، اتفاقيتها
الإطارية بشأن تغير المناخ؛ لتسمح بمشاركة المنظمات الشبابية في تلقي المعلومات
الرسمية والمشاركة في الاجتماعات وطلب فترات للتحدث، عبر ما يعرف بـ YOUNGO التي تعد منصة الشباب
للتفاوض والمشاركة مع صانعي القرار في الاجتماعات رفيعة المستوى الخاصة بمسألة
التغير المناخي.
واتساقًا مع ذلك التوجه الدولي، تحركت دولة الإمارات
العربية المتحدة، لتعزيز مشاركة الشباب في رسم مستقبل الكوكب والتحول نحو
"الاقتصاد الأخضر"، عبر التعاون مع المجتمع الدولي في هذا الأمر خلال
فعاليات كوب28 المقررة في نوفمبر المقبل.
ووفق آليات تمكين الشباب في رسم السياسات الخاصة بقضية
التغير المناخي، أعلن فريق بناء الشَّراكات بمؤتمر كوب28
إطلاق "شبكة المناخ" لدعم الشباب والبحوث وحياد الكربون في مؤسسات
التعليم العالي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك عبر تنظيم ثلاث فعاليات
نقاشية ركزت على جهود الدولة في النهوض بالعمل المناخي العالمي وأهمية كوب28،
والتي عُقدت في الجامعة الأمريكية بالشارقة وكليات التقنية العليا بدبي، وأكاديمية
أنور قرقاش الدبلوماسية([18]).
وفي إطار تعزيز قدرات الشباب لدعم مساهماتهم بفاعلية في
مناقشات كوب28، وتطبيقًا للآليات المعتمدة أمميًّا لتمكين الشباب عبر توفير فرص
تعليم وتدريب؛ عقدت رئاسة مؤتمر كوب28 شَراكة مع إحدى منصات التعليم عبر الإنترنت
في العالم، لتوفير آلاف الرخص المجانية لبرنامج تعليم وتدريب عبر الإنترنت، متعلقة
بالمناخ ([19]).
ولم تقتصر حالة الزخم التي أحدثتها دولة الإمارات، فيما
يتعلق بدعم الشباب في حوارات قضايا التغير المناخي في كوب28، على إطلاق برامج
تعليمية وتدريبية، بل سبقتها خطوة إجرائية تمثلت في "إطلاق برنامج مندوبي
الشباب الدولي للمناخ"، بهدف تمكين 100 شاب من مختلف أنحاء العالم، وخاصة من
البلدان الأقل نموًا والدول الجُزرية الصغيرة، للمشاركة بفاعلية في المؤتمر، عبر
شراكة مع YOUNGO، التابعة
لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ([20]).
وعليه، يتوجب التأكيد على أن تحرك دولة الإمارات في هذا
السياق يأتي ضمن ما يعرف بـ "الاستثمار في الشباب"، عبر تعظيم قدراتهم
وتوظيفها بشكل أمثل لدعم التحوُّل إلى "الاقتصاد الأخضر"، ولا يقتصر فقط
على فعاليات كوب28، ولكن بشكل مستدام؛ ما يعزز جهود المجتمع الدولي في هذا الصدد،
ويدعم أيضًا دور الشباب في تعزيز السلام والأمن الدوليين.
رابعًا، الشباب والنزاعات والأمن..
تحوُّل الدور:
يشهد العالم العديد من بؤر العنف والتوتر التي يقع
الشباب فيها ضحية، سواء نتيجتها أو الانخراط فيها كعنصر محفز لها، لذا باتت هناك
ضرورة لضمان مشاركتهم في منع النزاعات وحلها لبناء سلام مستدام.
وتعمل منظمة الأمم المتحدة، بناءً على قرار مجلس الأمن
رقم 2250 المعتمد في عام 2015، الذي يحدد الالتزامات الدولية بشأن الشباب والسلام
والأمن، مع القيادات الشبابية في العديد من دول العالم، وخصوصًا في مناطق التوتر،
للمساعدة في تحفيز عمل الشباب لمنع التطرف والإسهام في المصالحة وبناء السلام([21]).
قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2250، حدد هذه الالتزامات في
17 نقطة، تركزت على فتح المجال العام لمشاركة الشباب سياسيًّا واجتماعيًّا، والعمل
على نزع الأسلحة من المليشيات والجماعات المسلحة، تزامنًا مع تنفيذ برامج للدمج
والاندماج الاجتماعي، إضافة إلى توسيع نسبة مشاركة الشباب في عملية صنع القرار
ورسم السياسات، سواء عبر مجالس النواب أو الحكومات([22]).
وفي عام 2018، دعا مجلس الأمن الدولي عبر قرار آخر حمل
رقم 2419 إلى الإدماج الهادف والكامل للشباب في التفاوض بشأن اتفاقيات السلام
وتنفيذها، فضلًا عن المزيد من مشاركة الشباب على مختلف مستويات صنع القرار. وطلب
القرار من الأمين العام أن يقدّم تقريرًا عن تنفيذ قراري مجلس الأمن المذكورين
آنفًا. وفي عام 2020، اعتمد المجلس أيضًا القرار رقم 2535، الذي يشير لأول مرة إلى
تنفيذ خطوات محددة في أجندة الشباب والسلام والأمن لسياقات عمليات السلام التابعة
للأمم المتحدة. كما أقرّ خلال العام ذاتِه القرار 2553 الخاص بإصلاح قطاع الأمن
وعلاقته بسلامة الشباب، وضرورة مشاركتهم في جهود بناء السلام لإصلاح قطاعات الأمن
في الدولة([23]).
ومردُّ هذه التحركات الدولية هو أن الشباب في مناطق
الصراعات والنزاعات المسلحة، يتأرجحون بين طرفي "الاستغلال"
و"الشيطنة"، فمن ناحية يُنظر إليهم على أنهم ضعفاء وعاجزون ومحتاجون إلى
الحماية، ومن ناحية أخرى يُخشى عليهم من أن يتحوّلوا إلى عناصر خطرة تهدد أمن
المجتمعات، وهو ما يتسبب في زيادة عزلتهم وتهميشهم اجتماعيًّا وسياسيًّا، وبذلك
يوفر بيئة مناسبة للتطرف أو العنف بوجه عام، تنطلق من أزمة فقدان الهوية
والانتماء.
ولتعزيز مشاركة الشباب في بناء السلام، ثمة ضرورة لتعبئتهم
وإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم، وذلك عبر نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، إلى جانب
تزويدهم بفرص تدريبية للقيام بدور نشط في بناء السلام، وتوظيفهم كوسطاء ومحفزين
مجتمعيين وعاملين في المجال الإنساني ووسطاء سلام([24]).
ولتحقيق ما سبق، تبدو هناك ضرورة لتوفير الدعم اللوجيستي
والمادي للتحركات الشبابية في مسألة دعم الأمن والاستقرار، وذلك عبر بناء شبكات
لتعزيز قدراتهم وفق خطط وبرامج توظّف طاقاتهم بشكل أمثل، وذلك من خلال 3 محاور
رئيسية، تتمثل في([25]):
1- المشاركة؛ وتعني انخراطهم في عمليات صنع القرار من
التفاوض ومنع العنف إلى اتفاقيات السلام.
2 – الحماية؛ عبر صَون حياتهم وحقوقهم، وملاحقة من تسبب
في إشعال الحروب والنزاعات والأطراف التي نفذت جرائم حرب.
3 – توفير الدعم اللازم لمنع العنف وتعزيز ثقافة التسامح
والحوار بين الثقافات.
4 – المشاركة؛ أثناء النزاع وبعده عند وضع استراتيجيات
بناء السلام جنبًا إلى جنب مع الجهات الفاعلة المجتمعية وهيئات الأمم المتحدة.
5 – فك ارتباط الشباب بالمليشيات والجماعات المسلحة
المنخرطة في الصراعات وإعادة إدماجهم في المجتمع.
وإجمالًا؛ يتضح أن الاحتفال بـ "يوم الشباب الدولي
2023" له أهمية كبرى وهو ما تجلى في فتح منصات الأمم المتحدة على مواقع
التواصل الاجتماعي المختلفة للتفاعل مع الشباب بشكل مباشر، لعرض وجهة نظرهم وانتقاداتهم
المتعلقة بسياسات الدول والمنظمة الأممية فيما يتعلق بقضايا وأهداف استراتيجية
التنمية 2030.
وتأتي هذه الخطوة لتجسّد دور الشباب في مواجهة الخطر
والتحديات غير التقليدية التي يتجاوز تهديدها أمن وسلامة الأفراد إلى وجود الكوكب
ذاته. وهنا، يمكن اقتراح
ضرورة بناء كيانات إقليمية منبثقة عن كيان دولي للشباب، يشارك بشكل فاعل في
التفاوض حول قضايا التغير المناخي والتحول إلى الاقتصاد الأخضر.
ولا يمكن هنا إغفال دور الشباب في عملية نزع فتيل
الصراعات المسلحة، خصوصًا من كان منهم مشاركًا أو عانى من آثار مثل هذه التوترات،
فضلًا عن ضرورة دعم وتعزيز مشاركتهم في وضع برامج الدمج المجتمعي لاسيما للفئة
العمرية من 15-20 عامًا، وهي مرحلة المراهقة التي تتسم بالميل للراديكالية في السلوك
واتخاذ القرارات.
وأخيرًا،
تبدو هناك ضرورة ملحة لمشاركة الشباب في تقييم نتائج العمل على تنفيذ أهداف
التنمية الـ 17 المقررة من لدن الأمم المتحدة لعام 2030، وذلك لوضع التعديلات
المناسبة أو تغيير المبادرات والبرامج لبناء أطر أكثر فاعلية تساعد على توظيف
طاقات الشباب لتعزيز عملية التنمية المستدامة وإقرار الأمن والسلم العالمي.
[1] - يوم الشباب
الدولي، معلومات أساسية، الأمم المتحدة، انظر الرابط الآتي:
https://l8.nu/slba.
[2]- انظر منصات
الندوة على شبكة الإنترنت في الرابط الآتي: https://l8.nu/tJea
[3] - الأمم
المتحدة، المهارات الخضراء للشباب.. اليوم العالمي للشباب 2023،
د ت، انظر الرابط الآتي: https://l8.nu/tII5
[4]
- United Nations Office of the Secretary-General’s Envoy on Youth, BE SEEN
BE HEARD GLOBAL YOUTH REPORT.. Understanding young people’s political
participation, Link: https://l8.nu/skGG
[5] - مجلس
الأمن، القرار رقم 2250 (2015)، الأمم المتحدة، ديسمبر 2015، رابط: https://l8.nu/skGH
[6] - الأمم
المتحدة، التمكين الاقتصادي والاجتماعي للشباب: معالجة الفقر والتهميش ودفع
أهداف التنمية المستدامة، انظر الرابط الآتي:
https://www.un.org/ar/38875
[7]
- UN, 34/151. International Youth Year: Participation,
Development and Peace, Resolutions adopted on the reports of the Third
Committee VI, 3 November 1987, Link: https://l8.nu/tIIb
[8]
- GLOBAL ISSUES: Youth, UN - Peace,
dignity and equality on a healthy planet, Link: https://l8.nu/tIIe
[9]
- Thematic Factsheet | Youth and
Empowerment, UNESCO, 31 January 2023, Link: https://l8.nu/tIIg
[10]
- YOUTH and the State of the World, Advocates For Youth, Link: https://l8.nu/skGQ
[11]
- United Nations Office of the Secretary-General’s Envoy on Youth, BE SEEN
BE HEARD GLOBAL YOUTH REPORT.. Understanding young people’s political
participation, p. 14, Ibd
[12]
- About youth and terrorism in Africa:
- Maxim Worcester and Dr. Peter Roell,
Combating Terrorism in Africa, Institut für Strategie- Politik- Sicherheits-
und Wirtschaftsberatung (ISPSW),2015, Link: https://l8.nu/skGS
- Medhane Tadesse, Youth and Countering
Violent Extremism in Africa, The African Security Sector Network (ASSN),
November 2021, Link: https://l8.nu/skGW
[13]
- The Sustainable Development Goals, UN,
Link: https://l8.nu/tIIq
[14]
- YOUTH, DEVELOPMENT AND PARTICIPATION, WORLD YOUTH REPORT: Youth Social
Entrepreneurship and the 2030 Agenda, UN, p.p 43-45, Link: https://l8.nu/tIHL
[15] - نشر موقع
منظمة "اليونيسيف" نماذج للعديد من المبادرات التي أطلقها الشباب
والمراهقون لدعم التحول نحو "الاقتصاد الأخضر"، تنوعت بين إطلاق حركات
احتجاجية وتنظيم مظاهرات، إلى جانب أفكار للحد من التلوث والانبعاث الكربوني؛ انظر:
- شباب من أجل العمل المناخي.. رفع أصوات الشباب لحماية مستقبل كوكبنا، منظمة
اليونيسيف، الرابط الآتي: https://l8.nu/skGf
- [16]
-Susan Morrel-Samuels, Peter Hutchison, Leah Perkinson, Brittany Bostic and
Marc Zimmerman, YOUTH EMPOWERMENT SOLUTIONS, University of Michigan School
of Public Health, 2014, pp.1-3, Link: https://l8.nu/tIHO
[17]
YOUTH AND CLIMATE CHANGE, United Nation, Link:
https://www.un.org/esa/socdev/documents/youth/fact-sheets/youth-climatechange.pdf
[18] - انظر
الموقع الرسمي لموقع COP28 فيما يتعلق ببناء الشراكات:
https://cop28.com/en/partnerships
[19] - شراكة بين COP28
و"كورسيرا" لتوسيع نطاق الثقافة المناخية، سكاي نيوز عربية، 11
أغسطس 2023، انظر الرابط التالي: https://l8.nu/sl1C
[20] - الجابر
يطلق برنامج مندوبي الشباب الدولي للمناخ، سكاي نيوز عربية، 15 مارس 2023،
انظر الرابط التالي: https://l8.nu/sl1I
[21]
- Youth, peace and security, Inter-Parliamentary Union, Link: https://l8.nu/skGq
[22] - انظر نص
قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2250 عبر الرابط الآتي: https://l8.nu/tIHU
[23]
- PROMOTING YOUTH, PEACE AND SECURITY, United Nations Peacekeeping,
Link: https://l8.nu/skGt
[24]
- ALPASLAN OZERDEM, The Role of Youth in Peacebuilding: Challenges and
Opportunities, OXFORD RESEARCH GROUP, 2016, Link: https://l8.nu/tIHY
[25] - يعتمد حلف
الناتو كاستراتيجية للتعامل مع الشباب دخل المجتمعات الخطرة أو تلك التي شهدت
نزاعات وحروبًا مسلحة، انظر:
- peace and security: What is
it and why should we care?, NATO,: 07 Oct. 2022, Link: https://l8.nu/tII0
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)