نظم "مركز تريندز للبحوث والاستشارات"، مساء أمس الثلاثاء، ندوة عن بُعد تحت عنوان "المرتكزات الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين: بين النقل والتوظيف"، وذلك عبر بث مباشر على موقع المركز على الإنترنت باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية. وقدمت الندوة شريفة الرئيسي – باحث مساعد في المركز.
وتعد هذه الندوة ضمن أولى فعاليات "منتدى الإسلام السياسي السنوي الأول"، الذي دشنه المركز، مؤخراً، ويركز على مناقشة الأبعاد كافة المرتبطة بالمشروع الفكري والسياسي لجماعة الإخوان المسلمين. وشارك في هذه الندوة نخبة من الخبراء والباحثين والمتخصصين في حركات الإسلام السياسي، حيث ناقشوا مرتكزات المشروع الأيديولوجي والفكري لجماعة الإخوان المسلمين وما طرأ عليه من تحولات، وعلاقته بأهداف الجماعة، وموقفها من العنف.
وقد أدارت فعاليات هذه الندوة تال هنريش صحفية ومذيعة أخبار في الولايات المتحدة الأمريكية، التي أشارت إلى أهمية موضوع الندوة، كونه يتطرق إلى الجانب الفكري والأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين، التي غالباً ما توظفه في التمدد والتغلغل في المجتمعات، ولهذا ارتأت أنه من الضروري تنوير الرأي العام الدولي بخطورة الأيديولوجيا التي تتبنّاها الجماعة، والتي تمثل تهديداً واضحاً لقيم السلام والتعايش والاستقرار، وليس أدل على ذلك من موقفها المعارض لاتفاقيات السلام العربية- الإسرائيلية الجديدة والتشكيك في جدواها بالنسبة إلى عملية السلام في الشرق الأوسط.
جمود المرجعيات الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين
استهلت الندوة فعالياتها بورقة بحثية قدمها الدكتور، محمد فريد عزي باحث متخصص في الاجتماع السياسي واستطلاعات الرأي العام، تحت عنوان: (المرجعيات الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين)، الذي أشار خلالها إلى أن الجماعة تستند إلى أدبيات ومرجعيات من الفكر الإسلامي بشقيه التقليدي والحديث، كما توظف بعض المصطلحات من الفكر الغربي لإضفاء طابع الحداثة على خطابها السياسي. ولفت عزي النظر إلى أن الجماعة نقلت بعض أدبياتها من التراث الفكري الإسلامي بطريقة انتقائية تخدم هدفها السياسي من أجل إحكام قبضتها على المجتمع والدولة معاً. وأضاف عزي أن خطاب جماعة الإخوان المسلمين لم يتغير بشكل كبير منذ أعلن مؤسسها حسن البنّا مبادئه الرئيسية قبل أكثر من ثمانين عاماً في المؤتمر الخامس عام 1939، التي تدور في جوهرها حول شمولية الإسلام، باعتباره نظاماً متكاملاً للحياة من جوانبها كافة، وأنه قابل للتطبيق في كل مكان وزمان.
ورأي الدكتور عزي أن الإطار الفكري والأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين لا يتسم بالجمود فقط، وإنما الانتقائية والتوليف أيضاً كونه يجمع بين مصادر مختلفة، بعضها من التراث، بما في ذلك أفكار الخوارج وابن تيمية، وخاصة فيما يتعلق بمفهوم الحاكمية ودار الحرب والجهاد، وبعضها الآخر من مثقفي عصر النهضة، وخاصة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا. كما تأثرت الجماعة في وقت لاحق بأفكار المنظّر الباكستاني أبو الأعلى المودودي، الذي أثر في كتابات سيد قطب، وتشكيل أفكاره عن جاهلية المجتمع وتكفيره، وهي الأفكار التي أثرت بشكل واضح في الجماعة وجعلتها تؤمن بالعنف كإحدى آليات تحقيق أهدافها السياسية والوصول إلى السلطة.
ولفت الدكتور عزي النظر إلى أنه رغم وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، فإنها لم تغير خطابها الفكري، وبدا أنها تتعامل مع ممارسة الحكم من المنظور الإسلامي التقليدي، الذي لا يأخذ في الاعتبار مفهوم الدولة الوطنية بمعناها المعاصر، وما ترتكز عليه من مقومات، وربما هذا يفسر فشلها في اختبار الحكم. وأرجع الدكتور عزي فشل الإخوان في ممارسة السلطة إلى أنها لم تستطع تطوير خطابها السياسي ليواكب متطلبات السلطة وإدارة شؤون الحكم وفقاً للمفاهيم الحديثة للدولة الوطنية والمواطنة، ودلل على ذلك بانحسار تأييد الشعوب العربية للمشروع الإخواني وحركات الإسلام السياسي بوجه عام، على النحو الذي بدا واضحاً في نتائج استطلاعات رأي الباروميتر العربي التي غطت فترة زمنية طويلة نسبياً امتدت ما بين الأعوام (2007 و2019)، والتي أجريت خلالها خمس دورات للاستطلاعات وشملت عينة تقدر بنحو 70 ألف مفردة. وأظهرت أن هناك تراجعاً كبيراً لنفوذ الأحزاب السياسية الإسلاموية وتأثيرها، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، ويتمثل هذا التآكل في شعبيتهم وشرعيتهم في انخفاض ثقة الجمهور العربي بهم، حيث نزلت نسبة الثقة من 47.5% إلى 19.8% في غضون تسع سنوات ما بين 2011 و2019، أي إن 2 فقط من كل عشرة أفراد يثقون بالإخوان المسلمين.
وفي السياق ذاته، تطرق الأستاذ محمد العربي باحث بأول بمعهد القاهرة للفنون الليبرالية والعلوم في جمهورية مصر العربية في ورقته البحثية تحت عنوان (مأزق المشروع الإخواني: الازدواجية ما بين الأيديولوجيا والتطبيق) إلى الفجوة بين النسق الفكري للجماعة وممارساتها ومواقفها السياسية، مشيراً في هذا الخصوص إلى أنه في الوقت الذي تعتبر فيه جماعة الإخوان المسلمين نفسها امتداداً لحركة الإصلاح الديني التي بدأها جمال الدين الافغاني ومحمد عبده، إلا أنها في الحقيقة ليست كذلك، بل كان فكرها هو الأقرب لأفكار المتشددين مثل أبو الأعلى المودودي وسيد قطب. ورأى الأستاذ محمد العربي أن جماعة الإخوان المسلمين لا تؤمن بقيم الحداثة والعصرية، لأن أيديولوجيتها تعتمد بالأساس على التراث الإسلامي التقليدي.
الإخوان وتوظيف الأيديولوجيا في التغلغل في المجتمعات الغربية
ثم عرض الدكتور لورنزو فيدينو مدير برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية ورقة بحثية تحت عنوان (مرتكزات المشروع الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين: الثابت والمتغير)، حيث أشار فيها إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تنتهج أساليب تقوم على المراوغة وحشد الإمكانيات لتأييد وجهات نظرهم ذات الصبغة الدينية في المجتمعات الغربية.
وأشار د. لورنزو فيدينو إلى أن هناك تأثيراً واضحاً للمال السياسي القطري لجهة قيام الدول الغربية بغض النظر عن تصرفات الإخوان المسلمين هناك، ثم تطرق إلى كيفية محاولة استغلال جماعة الإخوان المسلمين لـ"أحداث الربيع العربي"، في الوصول إلى السلطة، حيث قام العديد من قيادات الجماعة الذين عاشوا في الغرب بالعودة إلى بلدانهم، والمشاركة في هذه الأحداث. ولفت الدكتور لورنزو فيدينو النظر إلى أنه ورغم أن العديد من قيادات الجماعة عاشوا في الغرب، فإن أفكارهم لم تتغير، كراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، والرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي، وهذا دليل على جمود الإطار الفكري والأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين.
وتطرق مدير برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن إلى كيفية توظيف جماعة الإخوان المسلمين لأيديولوجيتها الفكرية في التغلغل في الولايات المتحدة والغرب بوجه عام، منذ هجرة العديد من قيادات الجماعة في مصر في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، ومروراً بقدوم العديد من الطلاب المنتمين إلى الجماعة إلى الغرب والدراسة في جامعاته، حيث شكّل ذلك بداية جهود الجماعة في تأسيس العديد من المراكز الإسلامية التابعة لها، والتي تتبنّى أفكارها وأيديولوجياتها.
وأوضح لورنزو فيدينو أن هناك عوامل عدة ساعدت الجماعة على الانتشار في الغرب، أولها التمويل المالي الذي كانت تتلقاه من دول الخليج، والذي ساعدها على بناء المساجد والمراكز الدعوية والثقافية في العديد من الدول الغربية. وثانيها انخراط العديد من عناصر الجماعة في القيام بأدوار "الناشطين السياسيين"، وهذا أحد الجوانب الرئيسية التي تتوافق مع أولويات الدول الغربية التي تسعى إلى نشر قيم الديموقراطية والحرية السياسية في العالم. وثالثها يتعلق بقدرة جماعة الإخوان المسلمين على اختيار العناصر التي تمثلها في الغرب بعناية، فقد اختارت العشرات من الأشخاص للتحدث باسمها في دول، مثل: ألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، وهؤلاء يمتلكون مهارات خاصة في التواصل والتأثير في صانعي القرار السياسي في الدول الغربية. رابعها مهارة الجماعة في التعبير عن رؤيتها ومواقفها السياسية ونشرها في الدول الغربية، خاصة في ظل مناخ الانفتاح الذي تنعم به هذه الدول، والذي تستغله الجماعة في الترويج لأفكارها ومبادئها مقارنة بالقيود التي قد تواجهها في دولها الأصلية. خامسها تقديم الجماعة نفسها للغرب باعتبارها تنظيماً معتدلاً يتصدى للتطرف والإرهاب، وقادراً على إقناع الشباب بنبذ الأفكار المتطرفة، في الوقت ذاته سعت الجماعة إلى تقديم نفسها باعتبارها المتحدث باسم الجاليات الإسلامية في الغرب أيضاً، واستغلت ذلك في تعزيز تواصلها مع صانعي القرار في العديد من الحكومات الغربية، وبما يخدم أجندتهم السياسية الخفية.
ولفت لورنزو فيدينو النظر إلى أنه في الآونة الأخيرة حدث تحول في نظرة العديد من الحكومات الغربية تجاه الجماعة، فبعد أن كانت تتعامل بمرونة وتسمح لها بممارسة أنشطتها، بدأت تعيد النظر في أنشطتها وتدقق في تمويلها، خاصة من دول مثل تركيا، مشيراً إلى أن تقارير الأجهزة الاستخباراتية والأمنية والسياسية في دول، مثل: ألمانيا والنمسا وفرنسا، بدأت تحذر من أنشطة الجماعة على أراضيها، وتهديدها لقيم الديموقراطية والتعايش في هذه الدول.
وأكد لورنزو فيدينو أن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين على قائمة التنظيمات الإرهابية في الولايات المتحدة هو عملية معقدة قد تستغرق وقتاً طويلاً، ويتطلب سلسلة من الإجراءات المعقدة، لكن هناك إجراءات أخرى من الممكن اتخاذها للحد من خطورة هذه الجماعة في الدول الغربية، من بينها مراقبة أنشطتها والتدقيق في مصادر تمويلها.
أيديولوجيا جماعة الإخوان المسلمين .. أهم روافد الفكر المتطرف
واستشرف الدكتور عبدالمنعم سعيد علي رئيس مجلس إدارة صحيفة المصري اليوم في جمهورية مصر العربية في ورقته العلمية أمام الندوة تحت عنوان (مستقبل مشروع جماعة الإخوان المسلمين الأيديولوجي والسياسي.. إلى أين؟)، مشيراً في البداية إلى السمات العامة التي تميز الخطاب الفكري والسياسي للجماعة، باعتبارها أولاً جماعة شمولية ترى أنها دائماً على صواب والآخرين على خطأ، وثانياً تسعى دوماً إلى الانتشار والتغلغل في جميع أنحاء المجتمع منذ نشأتها في عام 1928، وثالثاً تؤمن باستخدام العنف كإحدى أهم أدوات تنفيذ أهدافها، وفرض رؤاها الأيديولوجية والفكرية على المجتمع، وتسعى إلى إحياء الخلافة الإسلامية. ورابعاً توظف إطارها الفكري والأيديولوجي في خدمة مشروعها السياسي، ليس فيما يتعلق بالانتشار والتمدد في جميع دول العالم فقط، وإنما في الوصول إلى السلطة والتمكين في المجتمع أيضاً.
وأوضح الدكتور عبدالمنعم سعيد أن جماعة الإخوان المسلمين وظفت العديد من الشعارات مثل الحاكمية والجهاد لتعزيز تغلغلها في المجتمع، وهي شعارات تم تأويلها بشكل خاطئ بما يخدم أهدافها ومشروعها السياسي. ولفت الانتباه في هذا السياق أيضاً إلى أن هناك ازدواجية في الخطاب الذي تتبنّاه الجماعة، فالخطاب الموجه للدول العربية والإسلامية يختلف عن ذلك الموجه إلى الغرب، فهي تحاول دوماً أن تظهر للغرب انفتاحها على القيم الحداثية والإيمان بالديموقراطية والحريات السياسية، بينما في خطابها تجاه العالمين العربي والإسلامي تركز على قضايا بعينها، تسعى من خلالها إلى تصوير نفسها باعتبارها المتحدث باسم الدين الإسلامي، والمدافع عن القضايا العربية والإسلامية.
ورأى الدكتور سعيد أن جماعة الإخوان المسلمين هي الحاضنة الأكبر للتنظيمات الإرهابية في العالم، فهي المدرسة التي تخرجت منها تنظيمات التطرف والإرهاب، مثل: "القاعدة" و"داعش". وأشار في الوقت ذاته إلى أن الجماعة تعد من أكثر الجماعات ثراء فهي تمتلك إمبراطورية مالية ضخمة، وتوظفها لتحقيق أهدافها السياسية. كما أن التنظيم الدولي للجماعة استطاع أن يوظف وجوده في العديد من الدول الأوروبية في الدفاع عن مواقف الجماعة والترويج لمبادئها في هذه الدول، خاصة أنه يمتلك العديد من الأذرع الإعلامية والمراكز الثقافية في هذه الدول.
وأشار الدكتور عبدالمنعم سعيد إلى أن يقظة الشعب المصري كشفت انتهازية الجماعة وعجزها عن إدارة الحكم، وهذه ليست المرة الأولى التي تفشل فيها الجماعة في ممارسة السلطة، فهناك تجارب سابقة لذلك، كما من قبل في السودان وأفغانستان.
مستقبل جماعة الإخوان المسلمين
وفي نهاية فعاليات الندوة، أجمع المشاركون على أن جماعة الإخوان المسلمين تواجه في الوقت الراهن مأزقاً معقداً، ليس بسبب انكشاف التناقض بين خطابها الفكري والأيديولوجي وممارساتها على أرض الواقع فقط، وإنما نتيجة لتصاعد القلق من أنشطتها في العديد من الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة أيضاً، والتي تمثل تهديداً لقيم التعايش والديموقراطية في هذه الدول.
ورأى الخبراء المشاركون في هذه الندوة أن مستقبل جماعة الإخوان المسلمين يتوقف على قدرتها على تطوير خطابها الفكري والسياسي بالشكل الذي يواكب متطلبات إدارة الدولة الوطنية بمفهومها المعاصر، وهذا قد يبدو صعباً لا سيما بالنسبة إلى الجماعة الأم في مصر التي ليست لديها الرغبة في التجديد، ودائماً ما تلجأ إلى الأدوات والحيل نفسها في التعامل مع الأزمات التي تواجهها، ولا تستفيد من أخطائها السابقة، فهي كما سبقت الإشارة إليه، تعاني حالة من الجمود، ولا تمتلك مشروعاً حقيقياً لإدارة الدولة أو لديها خطة للتعامل مع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية التي تواجه المجتمع.
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)