استخدم الذكاء الاصطناعي منذ ظهور وباء "كوفيد-19" لدعم جهود التصدي للأزمة غير المسبوقة الناجمة عن تفشي هذا الوباء1، وبالرغم من بعض التحفظات المرتبطة بالقضايا التشغيلية والأخلاقية، أكدت الدوائر العلمية، ومعها صناع السياسة ووسائل الإعلام على مستوى العالم، على الفائدة المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مكافحة الفيروس على جبهات عدة، بما في ذلك الرعاية الصحية، والاقتصاد، والتجارة، والسفر، والتكنولوجيا، وإجراءات السلامة والوقاية من حالات تفشي الأوبئة المستقبلية.
لقد ساعد الذكاء الاصطناعي السلطات في العديد من الدول حتى الآن على الحد من انتشار جائحة "كوفيد-19" بطرق عدة مهمة؛ فعلى سبيل المثال، استُخدم الذكاء الاصطناعي لإبلاغ السلطات الصحية عن زيادة عدد الأشخاص الموجودين في الأماكن العامة والمخاطر الصحية الشديدة المحتملة التي تشكلها مجموعات الفيروسات2. كما استُخدمت وسائل تكنولوجية مبتكرة على صعيد هياكل البنية الأساسية للمساعدة في رصد تدفق الأشخاص والمركبات على طول الطرق من خلال الرادارات، ما يساعد على ضمان الامتثال لتدابير الطوارئ؛ أما على صعيد الأعمال التجارية، فقد أتاح الذكاء الاصطناعي مزايا تجارية للشركات والمنظمات المسؤولة عن الحفاظ على الكفاءة التشغيلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة3.
وعلى الجانب الآخر، أثار الاستخدام المتنامي للذكاء الاصطناعي في مكافحة "كوفيد-19" على مستوى العالم العديد من الأسئلة، بما في ذلك عدم وجود لوائح متسقة ومُقننة لتنظيم استخداماته، وعدم وجود بروتوكولات عالمية تضمن إمكانية استخدام أوجه مختلفة من الذكاء الاصطناعي بطرق لا تشكل تجاوزات للخصوصية والحرية الشخصية واستخدام البيانات، إلى جانب عدم وجود الإرادة السياسية لوضع المعايير والقواعد المنظمة لهذا المجال، وضعف الاعتراف بالأخطاء4.
وإذا ما استُخدم الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح، فسيكون حتماً مفيداً وسيساعد الدول في العديد من المجالات، أما إذا أُسيء استخدامه فربما تكون عواقبه كارثية؛ وعليه ستتناول هذه الورقة الجهد العالمي لمكافحة وباء "كوفيد-19" بمساعدة الذكاء الاصطناعي، يليه نقاش حول المخاوف المتعلقة بالخصوصية، وختاما ستحاول هذه الورقة الخروج بتوصيات للمضي قدماً في أعقاب الوباء.
وستركز هذه الورقة أيضًا على حالة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي رسّخت نفسها باعتبارها دولةً رائدة على الصعيد الإقليمي في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي للتخفيف من حدة تفشي وباء "كوفيد-19" مع تحقيق التوازن المستمر بين الابتكار الآمن ومراعاة الخصوصية الفردية.
استخدام الذكاء الاصطناعي في التصدي لـ "كوفيد-19"
منذ ظهور الوباء، استخدم القطاعان العام والخاص في جميع أنحاء العالم الذكاء الاصطناعي بوصفه أحد أكثر الأدوات فعالية للتصدي لوباء "كوفيد-19"؛ ففي قطاع الرعاية الصحية على وجه الخصوص، استخدم الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع نظراً للتحديات الملّحة التي يشكلها الفيروس، ولا سيما في مجال التشخيص وتطوير الأدوية واللقاحات5.
ونظراً لشدة تفشي "كوفيد-19"، اتخذت معظم الدول تدابير للتباعد الجسدي وطلبت من مواطنيها البقاء في منازلهم قدر الإمكان، وعلى الرغم من ذلك تمكنت الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات، عن طريق تفعيل وسائل الاتصال عن بعد باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، من الحفاظ على النشاط الاقتصادي وإنتاجية القوى العاملة، وفي الوقت ذاته توفير مستويات كافية من الرعاية الصحية والتعليم وغير ذلك من الخدمات الأساسية.
لقد أثبتت تجربة وباء "كوفيد-19" أن الروبوتات يمكن أن تقوم بالمهام الضرورية لمواجهة الأزمات في الحالات التي تعتبر غير آمنة للبشر مثل أزمة هذا الوباء. فلحماية الناس من التعرض لهذا الفيروس تمت برمجة الروبوتات للتجول في الشوارع ومناشدة السكان للحفاظ على التباعد الجسدي واتباع احتياطات السلامة في العديد من المدن في جميع أنحاء العالم6.
وتتعدد المجالات التي يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي بفعالية لمكافحة الوباء، وتشمل على نحو خاص المجالات الثلاثة التالية: (1) إدارة موارد الرعاية الصحية؛ (2) إدارة الخدمات والبحوث؛ و(3) تطوير الأدوية واللقاحات، وفي بعض الحالات، استخدمت الروبوتات لتحديد الأشخاص الذين يعانون من أعراض المرض عن بُعد أو بشكل مباشر. كما استخدمت أدوات الذكاء الاصطناعي لتوفير بيئة أكثر أماناً للأطباء والممرضين عند علاج المرضى.
المصدر: [PwC, 2016] 7
بمساعدة الذكاء الاصطناعي، أمكن تحديد وإدارة المهام التنظيمية الرئيسية بدقة وتحديد الأهداف بشكل أفضل؛ فلقد أظهر وباء "كوفيد-19" أن بإمكان المنظمات والهيئات العامة والخاصة استخدام أساليب التعلم الآلي- مجموعة فرعية من الذكاء الاصطناعي تستخدم لتحسين الأنظمة والمهارات للتعلم الذاتي دون أن تتم برمجتها- بسرعة لتحقيق التميز في مجالات مثل الاتصالات وتوفير الخدمات الأساسية والاهتمام بالعملاء، بما يساعد على تحقيق فهم أفضل للقضايا الجوهرية التي تساعد في مكافحة الفيروس8.
فعلى سبيل المثال، قامت شركة "بلودوت" (BlueDot)، وهي شركة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي باستخدام التعلم الآلي وغيره من تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى لرصد تفشي الأمراض المعدية، عبر تنبيه المؤسسات الأخرى إلى حدوث ارتفاع مفاجئ في حالات الالتهاب الرئوي في مدينة ووهان، قبل أن تقيّم منظمة الصحة العالمية تفشي الفيروس وتصنّفه في ما بعد على أنه وباء9؛ ويُظهر هذا كيف يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تحليل البيانات المتعلقة بمختلف مراحل الوباء، ومن ثم يُظهر إمكانات التكنولوجيا في معالجة المعلومات المتعلقة بالتهديدات الناشئة في مجال الصحة العامة على الصعيد العالمي.
ولا شك، أن الوقت يمثل عاملاً حاسماً خلال التصدي للجائحة مع سرعة انتشار الفيروس، إذ يمكن أن تنقذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي آلاف الأرواح من خلال التوصل لتسلسل جينوم "كوفيد-19" الذي يتألف من 30 ألف قاعدة جينية، وبالتالي فهو يقوم بوظيفة تقييم وتتبع نشط لتطور حالات الإصابة بالمرض.
وفي ظل حدوث تغييرات في هذه المواد الجينية كل أسبوعين في المتوسط عندما ينتشر الفيروس ويتكاثر، فإن تقديم التحليلات في الوقت المناسب لهذه التغيّرات الجينية يمكن أن يوضح للعلماء مدى سرعة انتشار الفيروس10، ومن ثم إتاحة آلية حاسمة لمكافحة الفيروس والتخفيف من آثاره.
وفي الأشهر الأخيرة، أفرز اهتمام مراكز الفكر بموضوع الذكاء الاصطناعي العديد من الأفكار المثيرة للاهتمام من الخبراء الذين يسعون إلى المساهمة في صنع القرار وتسخير الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات في المستقبل. وفي هذا الإطار، نظم "مركز تريندز للبحوث والاستشارات" الذي يتخذ من أبوظبي مقراً له، حلقة نقاشية عبر الإنترنت يوم 6 مايو 2020 تحت عنوان "استخدام الذكاء الاصطناعي في التصدي للأوبئة"، حيث ناقش عدد من الخبراء سبل استخدام الذكاء الاصطناعي في مكافحة "كوفيد-19" في جميع المجالات، بما في ذلك العلاج، والوقاية، ورسم السياسات الاجتماعية.
وشرح الدكتور خالد الكوفحي، نائب رئيس البحوث والتطوير في وكالة تومسون رويترز، وأحد الخبراء الذين تحدثوا في هذه الفعالية، كيف يمكن للتعلم الآلي تسريع المساعدة في تطوير الأدوية واللقاحات؛ فعلى سبيل المثال، يمكن للتعلم الآلي فحص الفيروسات الأخرى التي تحتوي على عناصر مشابهة لـ "كوفيد- 19"، كما يمكن استخدام الروبوتات للكشف عن درجات حرارة الأشخاص للمساعدة في منع انتشار المرض، فيما شرح كونراد كارتش، أستاذ الطب ورئيس قسم التدخل الجراحي المحدود في عيادة جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ألمانيا، كيف يمكن للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أن يساعدا في التصدي لوباء "كوفيد-19"، وقال إن المعلومات التي يتم جمعها بواسطة الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد في تحديد المرضى في الأماكن العامة مثل المطارات والمباني، وأوضح كيف يمكن لبرامج الدردشة الآلية قياس درجات حرارة الجسم.
وفي ما يتعلق بالسياسة الاجتماعية، أوضح الكوفحي أيضاً كيفية استخدام التعلم الآلي لدراسة الوباء لمساعدة العاملين الصحيين وصانعي السياسات على اتخاذ قرارات تستند إلى عدد قليل من العوامل الرئيسة، بما في ذلك عدد الحالات ومعدلات الوفيات إلى درجة أثبت معها التعلم الآلي أنه أداة فعالة في دعم القطاع الطبي وغيره من القطاعات. كما أشار إلى استخدام مؤسسات الرعاية الصحية أيضاً لروبوتات الدردشة للتعلم الآلي لفحص المرضى المحتملين المصابين بـ "كوفيد-19"، وقياس درجات الحرارة، وتوفير العلاج عن بعد؛ فعلى سبيل المثال، في فرنسا، أطلقت شركة (Clevy.io) برنامج دردشة آلية يزود الناس بمعلومات واضحة ويمكن الوصول إليها أو الوصول إلى أي تحديثات صادرة عن الحكومة في ما يتعلق بهذا الوباء11.
ويُمكّن التعلم الآلي، باستخدام الذكاء الاصطناعي، الباحثين من دراسة وتحليل حجم كبير من المعلومات والبيانات للتعرف على أنماط انتشار الفيروس الأمر الذي من شأنه أن يسّرع عملية تطوير الأدوية لعلاج حالات "كوفيد-19" من خلال تحديد الروابط بين الأمراض والعلاجات والجينات.
ويمكن الاستفادة أيضا من علوم البيانات وأنظمة الذكاء الاصطناعي في تطوير إدارة الرعاية الصحية من خلال تحديد المرضى وتشخيصهم، فضلاً عن تحديث معلومات المرضى تلقائياً. كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال المعلومات البيولوجية يختصر لأشهر عدة الوقت اللازم لإجراء التجارب لتطوير اللقاحات والأدوية الأولية 12.
جهود الدول في التصدي لكوفيد-19
رغم أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة كان واضحاً في جميع أنحاء العالم حتى قبل جائحة "كوفيد-19"، فإن فعالية استراتيجيات الاستجابة التي تبنتها الدول إزاء الوضع الراهن يمكن ربطها بشكل أو بآخر بدرجة استخدامها للتكنولوجيا والأساليب التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الصدد، قامت دول مثل الصين، وكوريا الجنوبية، ودولة الإمارات بدور رائد في استخدام الذكاء الاصطناعي في عدد كبير من المجالات الاستراتيجية التي تعزز استخدامه في المجال الطبي.
شرق آسيا: الصين وكوريا الجنوبية
استخدمت الصين، وهي أول بلد تُسجل فيه حالات إصابة بالفيروس، الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع سواءً كوسيلة لإجراء أبحاث لتطوير علاجات أو لقاحات لمكافحة الفيروس، أو للحد من حركة الناس لتجنب انتقال العدوى، وتمكين المتخصصين في مجال الصحة من إجراء تشخيصات أسرع13. وتعد الصين من أكثر الدول المتطورة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وساعدها عدد السكان الضخم والمتنوع في توفير كميات هائلة من البيانات التي يرى بعض الباحثين أنها ستسهم في تمكين الباحثين والشركات من تحقيق هدفهم المتمثل في جعل الصين أول قوة عظمى عالمية في حقل الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030.
وفي هذا الإطار، قامت شركة (Beijing Infervision Technology Co., Ltd)، وهي مؤسسة صينية متخصصة في التكنولوجيا المتطورة وقامت في السابق بتطوير برامج للكشف عن سرطان الرئة باستخدام الأشعة المقطعية، بتطبيق البرنامج نفسه للكشف عن الالتهاب الرئوي والفيروسات مثل "كوفيد-19". وقد استخدم ما لا يقل عن 34 مستشفى في الصين هذه التكنولوجيا المُعدّلة للمساعدة في فحص أكثر من 32 ألف حالة في جميع أنحاء الدولة14.
كما قامت أكاديمية دامو التابعة لشركة علي بابا بتطوير برنامج تشخيص يعتمد الذكاء الاصطناعي، يقوم بمقارنة صورة الأشعة مع مئات الصور لمرضى مصابين بفيروس كورونا المستجد. ويشخص حالة المريض من خلال 20 ثانية فقط مع نسبة صحة التشخيص تصل لـ96 بالمائة.
كما استخدمت السلطات الصينية العديد من التطبيات الأخرى مثل آلية التعرف على ملامح الوجه facial recognition من خلال استخدام كاميرات حرارية، التي يمكنها الكشف عن حرارة الجسد، وتقنية طائرات الدرونز التي استخدمتها في رش المواد المطهرة لتعقيم الأسطح المختلفة في البلاد، لضمان تغطية جغرافية أوسع وأسرع، والروبوتات التي استخدمت في المستشفيات للتعامل المرضى وتقليل الاحتكاك بهم، وتطبيقات (GPS) التي تمكن الحكومة من معرفة التزام الأشخاص بالبقاء في منازلهم من عدمه، وغيرها الكثير من التطبيقات الأخرى التي ساعدت على إبطاء انتشار الفيروس بشكل أوضح بجلاء إمكانات التكنولوجيات الجديدة.
كما استخدمت كوريا الجنوبية، وهي إحدى الدول الأولى التي تأثرت بوباء "كوفيد-19"، الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال في مكافحة الفيروس، من دون وقف الأنشطة الاقتصادية. ومن الأمثلة هنا نجاح شركة سيجيني (Seegene)، شركة كورية جنوبية للتكنولوجيا الحيوية، في استخدام الذكاء الاصطناعي لتقليل الوقت اللازم لتطوير أدوات اختبار للكشف عن وباء "كوفيد-19" إلى ثلاثة أسابيع فقط قبل توزيعها الجماعي في كافة أنحاء الدولة.
ومن خلال إجراء اختبارات سريعة وواسعة النطاق، بلغت أكثر من 230 ألف اختبار يومياً، تم تشخيص عدد كبير من الحالات الإيجابية في بداية تفشي الفيروس، ما ساعد كوريا الجنوبية على احتواء الفيروس على الفور15؛ والجدير بالذكر أن كوريا الجنوبية تسعى جاهدة إلى إدراجها ضمن أكبر 4 دول عالمية في استخدام الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2022، حيث تستثمر مليارات الدولارات في التدريب والبحوث الخاصة بالذكاء الاصطناعي. وتخطط الدولة، في إطار هذه المسعى، إلى تحويل مدينة "دايغو" إلى مدينة ذكية بحلول عام 2021.
وعلى المستوى الإقليمي، تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى الدول الرائدة في مجال تطوير واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فحتى قبل انتشار وباء "كوفيد-19"، كانت الدولة قد استخدمت الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال في تعزيز الحوكمة وتوفير الخدمات العامة. وفي عام 2017 قامت الحكومة بتعيين عمر بن سلطان العلماء وزيراً للذكاء الاصطناعي، وهو أول وزير يتم تعيينه في مثل هذا المنصب16.
وقد ركز استخدام دولة الإمارات لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مكافحة "كوفيد-19" على جمع المعلومات الدقيقة لضمان كفاءة التدابير الوقائية والأمنية ونجاحها؛ وفي حين أن جمع معلومات موثوقة يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً، يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة مفيدة للمساعدة في تسريع هذه العملية، ما يسمح بتنفيذ تدابير السلامة بأسرع ما يمكن وبفعالية.
ومن الأمثلة على استخدام دولة الإمارات للذكاء الاصطناعي للتصدي لـ "كوفيد-19" إطلاق وزارة الصحة ووقاية المجتمع تطبيق الاختبار والتتبع لـ "كوفيد-19" الذي يعرف باسم (الحصن)17، والذي يتيح الوصول السريع إلى نتائج الاختبار وتتبع العدوى من أجل المكافحة الدقيقة للفيروس، كأداة قائمة على الذكاء الاصطناعي أثبتت أنها وسيلة آمنة للمعلومات الخاصة بالمرضى.
وفي أبريل 2020، أعلنت دائرة الصحة - أبوظبي، بالتعاون مع شركة "إنجازات"، إطلاق تطبيق جديد باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي باسم "منصة الرعاية الصحية عن بُعد" لضمان حصول المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات على جميع المعلومات والخدمات اللازمة دون اتصال جسدي.
كما يوفر هذا التطبيق الدعم الطبي الأساسي عن بُعد للمسنين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، من خلال خدمات مثل حجز المواعيد والاستشارات والوصفات الطبية، ويساعد في ربط مرضى "كوفيد-19"، ممن يقضون فترة عزلة ذاتية بجميع المعلومات الحيوية وبالأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية لتمكينهم من مراقبة المرضى حتى يتم شفائهم بالكامل18.
واستخدمت أبوظبي، علاوة على هذا، روبوتات مبرمجة لرش المناطق بالمطهرات ضمن برنامج التعقيم الوطني. كما أطلقت، هيئة الإسعاف في دبي جهازاً للتطهير الذاتي يسمح للمسعفين وأسرهم بتعقيم الملابس من خلال "ممر التعقيم"، وهو أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتطهير ملابس المسعفين وأسرهم.
وساعد الذكاء الاصطناعي أيضًا قطاع التعليم على التكيف مع الظروف المتغيرة للوباء عبر سياسة التعليم عن بُعد، ما أفاد المعلمين والطلاب على حد سواء19. كما تقوم بعض المعاهد التعليمية في جميع أنحاء دولة الإمارات بهدف تحقيق الاستفادة الكاملة من مزايا الذكاء الاصطناعي ببحث وتطوير الأدوات التي يمكن أن تساهم في مكافحة "كوفيد-19". ويقوم العلماء والباحثون في جامعة خليفة، في هذا الصدد، بتطوير نموذج أولي للتنفس الصناعي باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي تتضمن معدات طبية مطبوعة بواسطة الطابعة ثلاثية الأبعاد، ومعدات حماية شخصية. وتساعد جامعة خليفة أيضاً في بناء مصنع مخصص لإنتاج أجهزة التنفس الصناعي20.
وبشكل عام أدى تفشي "كوفيد-19" إلى تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم، ما أدى بدوره إلى تحسين وتسريع عملية صنع القرار على الصعيد الوطني. وبما أنه لم تكن هناك معلومات كافية عن تفشي الفيروس عند ظهوره، فإن التحول إلى الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة هو الحل الأكثر نجاعة لاحتواء انتشار الفيروس بأسرع ما يمكن وبأقصى قدر ممكن من الكفاءة. ولم تتردد الصين وكوريا الجنوبية والإمارات في تنفيذ استراتيجيات جديدة بمساعدة الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وهو ما يفسر جزئياً سبب احتواء هذه الدول لانتشار الفيروس بنجاح نسبي.
الشكل رقم2: جهود الدول المختلفة في التصدي لـ "كوفيد-19" باستخدام الذكاء الاصطناعي
الصين | كوريا الجنوبية |
أدوات الرعاية الصحية استخدمت الأشعة المقطعية للمساعدة في اكتشاف الالتهاب الرئوي، والذي يستخدم الآن لكشف أعراض "كوفيد-19". اكتشاف المرضى استخدمت برامج الهواتف الذكية لتحديد المرضى المحتملين. كما استخدمت تقنية التصنيف بالألوان لتحديد خطر العدوى. | أدوات الرعاية الصحية استخدمت أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتطوير أدوات اختبار في وقت قياسي. اكتشاف المرضى تستخدم كوريا الجنوبية بيانات تحديد الموقع، وكاميرات المراقبة، ومعاملات البطاقات الائتمانية، لتتبع مرضى "كوفيد-19"، وذلك باستخدام نظام الخوارزميات. |
الولايات المتحدة | الإمارات |
أدوات الرعاية الصحية طور باحثون في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو برنامج يعتمد على الذكاء الاصطناعي الذي كان يستخدم في الأصل لاكتشاف الالتهاب الرئوي بواسطة الأشعة السينية على الصدر. ويستخدم حالياً لتحديد المرضى الأكثر أو أقل عرضة للإصابة بـ "كوفيد-19". البحوث يطور باحثون في معهد ماساتشوستس نظاما للتعلم الآلي يكشف على خلايا الدم البيضاء للمرضى لمعرفة الاستجابة المناعية. | اكتشاف المرضى استخدام تطبيق "الحصن" للهواتف الذكية يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويوفر وصولاً سريعاً لأحدث المستجدات والمعلومات الخاصة بـ "كوفيد-19" ونتائج الاختبارات، ويساعد على تتبع المرضى. التعقيم تم تفعيل برنامج التعقيم الوطني بروبوتات مبرمجة على تعقيم الأماكن المراد تطهيرها. إجراءات الأمن ساعدت الأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في ضمان التزام الأشخاص المشتبه باصابتهم بالبقاء في منازلهم وعدم مغادرتها دون تصريح. |
معالجة مخاوف الخصوصية
رغم أهمية الفوائد التي تقدمها التكنولوجيات الجديدة المبتكرة، فإن النقاش حول القضايا التي تربط بين الذكاء الاصطناعي و"البيانات الضخمة" من جانب، وتهديد الخصوصية الشخصية من جانب آخر، لا يزال يثير إشكاليات عدة، وبما أن العالم يعتمد حالياً اعتماداً كبيراً على تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي لإيجاد حلول للقضاء على انتشار الفيروسات الوبائية، بما في ذلك تتبع تحركات المواطنين وجمع البيانات ذات الصلة من خلال تطبيقات الهاتف وكاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة وغيرها من الوسائل، فإن هناك بعض المخاوف بشأن العواقب الأخلاقية لمثل هذه "المراقبة الجماعية" إذا أُسيء استخدامها لأغراض أخرى غير صحية.
لقد أثار الحجم الهائل من البيانات الشخصية التي تم جمعها من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي مخاوف عميقة بشأن خصوصية تلك البيانات وسلامتها وأمنها. وفي حين أن بعض الناس قد يتصورون أن هذا يشكل انتهاكاً للخصوصية، يرى آخرون أن هذا إجراءً مبرراً إلى أن ينتهي الوباء.
وقد اعترفت الولايات المتحدة وأوروبا على نطاق واسع بأهمية النقاش في ما يتعلق بعلاقة الخصوصية والذكاء الاصطناعي، حيث يُنظر إلى الخصوصية على أنها تمثل شكلاً من أشكال الحرية. وفي المقابل، ترى دول مثل الصين الخصوصية من منظور مختلف، نتيجة لمواقفها الثقافية الخاصة بها21، التي تعطي الأولوية لاعتبارات الأمن والمصلحة العامة على المصالح الفردية.
قد يؤدي جمع هذه البيانات وتحليلها واستخدامها إلى آثار سلبية عبر انتهاك حقوق الإنسان دون مبرر علني مناسب. ولهذا، يوصي المنتدى الاقتصادي العالمي بأنه لكي تتجنب المؤسسات هذا الانتهاك وتحترم خصوصية الناس وحريتهم، يجب أن تقلل جمع البيانات إلى ما هو مناسب ومطلوب من أجل التدابير الوقائية22. كما ينصح المنتدى الاقتصادي العالمي الحكومات ببناء الثقة مع الجمهور من خلال تبادل التفاصيل ذات الصلة، على سبيل المثال، حول مدى انتشار الفيروس بين الفئات السكانية والجغرافية، والمعلومات عن التدابير التي تنفذها الحكومات.
وبما أن حقل الذكاء الاصطناعي يتقدم بوتيرة سريعة مع تزايد تعقيد مفهوم الخصوصية، فإنه من الأهمية بمكان أن تُطمئن الحكومات شعوبها إلى أنها تتخذ تدابير استباقية لإدارة معلوماتها الخاصة بعناية23. ويمكن أن تشمل هذه التدابير، على سبيل المثال لا الحصر، شفافية تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وفرض قيود على جمع البيانات تحدد تصميم وغرض محددين، وتدابير لطمأنة الناس بأن بياناتهم لا يُساء استخدامها من قبل الآخرين، وتأكيدات بأن هذه البيانات ستحذف عندما تصبح غير ضرورية للأغراض المحددة لها في البداية.
وفي هذا السياق على سبيل المثال، أقرّت "اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي" (GDPR) جمع البيانات الشخصية وتحليل بيانات المرضى المصابين بفيروس كورونا شريطة التوقف عن استخدامها بمجرد الإعلان عن انتهاء الوباء، ويسمح هذا النهج بالاستخدام العاجل والمُعزز للبيانات عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التصدي لـ "كوفيد-19"، وفي الوقت ذاته ضمان عدم إمكانية استغلال الثغرات أو إساءة إدارة البيانات أو مشاركتها مع طرف ثالث.
الدروس المستفادة والتوصيات
أحد الأسئلة التي تكتنف التفشي المفاجئ والشديد لـ "كوفيد-19" هي ما إذا كان العالم سيكون جاهزاً لمجابهة المزيد من هذه العدوى الفيروسية، فقد ساعد التحليل الدقيق للبيانات المدعوم من الذكاء الاصطناعي، المهنيين في مختلف الميادين على فهم طبيعة الفيروس على نحو أفضل وتحديد تدابير لمكافحة الأوبئة على نحو أكثر كفاءة24.
ولعل أحد أهم الدروس المسنفادة من أزمة وباء "كوفيد-19" هي أن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي أثبتت نجاعتها في مواجهة أزمة صحية معقدة مثل أزمة وباء "كوفيد-19"، وأن تطوير هذه التطنولوجيات يمكن أن يساعد الحكومات على مواجهة الأوبئة المستقبلية بصورة أكثر فاعلية،.
ومن بين الدروس الأخرى التي تعلمها العالم من النُهج التي تم تنفيذها لمكافحة "كوفيد-19"، ما يلي:
لقد أسهمت الجهود تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بفاعلية في إنجاح الجهود التي بذلتها العديد من الدول مثل الصين وكوريا الجنوبية ودولة الإمارات لمواجهة الوباء بدرجة كبيرة؛ وهو ما يفتح المجال أمام مزيد من الجهود لتطوير هذه الحلول والتطبيقات، ليس فقط لدعم خطط التنمية والتقدم، ولكن أيضاً لمواجهة أية أزمات صحية مستقبلية.
لقد أحدثت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم تحولاً في مجال الطب ونظام الرعاية الصحية من خلال تحسين سرعة ودقة التشخيص؛ ومن أجل مواصلة تطوير التكنولوجيات الجديدة، يجب أن تتم إتاحة البيانات للخبراء الطبيين وخبراء الذكاء الاصطناعي24. كما يجب من أجل تعزيز سبل تحديد المشكلات أو البيانات ذات الصلة تبادل خبراء الذكاء الاصطناعي والمتخصصين في القطاع الطبي وواضعي السياسات البيانات على جميع المستويات.
وفيما يتعلق بإشكالية الخصوصية، يتعين على الحكومات ضمان خصوصية البيانات من خلال تقييم أغراض الاحتفاظ بالبيانات وحماية هوية الأفراد التي أصبحت أكثر عرضة للخطر والتهديد؛ ففي ظل تنامي استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً، أصبحت المخاوف المتعلقة بالخصوصية أكثر أهمية نظراً لأن الشركات تقوم بتطوير المزيد من الخوارزميات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاستنتاج معلومات حساسة25؛ ولذا، من الأهمية بمكان إجراء مناقشة شفافة ومفتوحة للجمهور بشأن الفوائد الإيجابية للذكاء الاصطناعي، محلياً وعالمياً، مع ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي على نحو مسؤول وكذلك بفعالية لبناء ثقة الجمهور في هذه التقنيات.
وبما أن دولاً مثل الصين وكوريا الجنوبية ودولة الإمارات أحرزت بالفعل تقدماً في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، فمن شأن تطوير برامج للتعاون البناء فيما بينها، وإتاحة المجال للشباب لتوسيع معرفتهم بالذكاء الاصطناعي في هذه الدول، وفي البلدان النامية الأخرى، أن تكون مساهمة إيجابية في تعزيز الجهود الرامية إلى التزظيف الفعال والبناء لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في خدمة التنمية البشرية.
الخلاصة
لقد تسارعت وتيرة استخدام الذكاء الاصطناعي في الجهود العالمية للتصدي لـ "كوفيد-19" منذ الأشهر الأولى من عام 2020، وهذا التوسع السريع في استخدام الذكاء الاصطناعي في السباق للحصول على لقاح وتطوير أدوات الاختبار وتطبيقات التعقب يعكس ملامح الثورة التكنولوجية الجارية الآن في جميع أنحاء العالم، والتي يتوقع أن تغير شكل العالم مستقبلاً. غير أن هناك مسائل تدعو إلى القلق وتحتاج إلى معالجة، وأهمها الحاجة إلى تطوير لوائح تنظيمية مُعترف بها عالمياً بشأن بعض القضايا، مثل الخصوصية.
في الدول المتقدمة، شكّل تطبيق الذكاء الاصطناعي سمة مهمة، من بين جوانب كثيرة، من تدابير الطوارئ الحكومية، ما يشير إلى حدوث تحول نحو فهم أكثر مرونة لدور الحوكمة في أوقات الأزمات. ففي الوقت الذي بدأت فيه الإمارات والصين وكوريا الجنوبية ودول أخرى في جميع أنحاء العالم في فتح أبوابها وتخفيف قيود الإغلاق، سيلعب الذكاء الاصطناعي دوراً متنام الأهمية في المعركة الجارية لمجابهة "كوفيد-19".
وطالما يتم مراعاة الأبعاد الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكننا أن نكون على يقين من أن الاستخدام واسع النطاق لبيانات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا سوف يصبح من السمات الحيوية في الاستجابات العالمية لحالات الطوارئ في مجال الرعاية الصحية في المستقبل.
المراجع:
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)