شكل فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، منذ ظهوره في الصين أواخر العام الماضي وانتشاره إلى باقي دول العالم، أزمة غير مسبوقة على الصعيدين الوطني والعالمي طالت تداعياتها السلبية معظم دول العالم بدرجات متفاوتة، مستفيدة مما وفرته التكنولوجيا الحديثة وآليات العولمة من سهولة وسرعة في وسائل الاتصال والمواصلات، و حرية واسعة في حركة تنقل الأشخاص عبر الحدود واختلاطهم ببعضهم البعض.
ومع انتشار الفيروس السريع وتحوله إلى وباء عالمي، شكل "كوفيد-19" اختباراً جدياً لسياسات وقدرات كثير من دول العالم، المتقدمة والنامية على حد السواء، والتي أظهرت تبايناً واضحاً في إدارتها للأزمة وقدرتها على التقليل من مخاطرها المحتملة وتداعياتها عليها، فضلاً عن احتواء الفيروس ومنع انتشاره داخل أراضيها؛ ومع الاعتراف بحقيقة هذه التباينات، يمكننا الإشارة إلى ثلاث ملاحظات أولية بشأن إدارة هذه الأزمة عالمية الطابع:
الملاحظة الأولى وهي أن هذه الأزمة لم يكن متوقعاً أن تكون على هذا المستوى من الخطورة والانتشار لكثير من دول العالم حتى المتقدمة منها التي لم تكن، في ما يبدو، مهيأة وعلى استعداد للتعامل مع تداعيات هذه الأزمة وتحجيم خطرها، ولا سيما على مستوى القطاع الصحي. فالإمكانيات والقدرات الطبية والصحية (من مستشفيات، ومراكز صحية، وكوادر طبية وتمريضية، وأدوات علاجية للوقاية، والتعقيم وغير ذلك) بدت قاصرة في كثير من دول العالم، ولم تستطع تحمل عبء الأعداد الكبيرة من الإصابات، مما أحدث أزمة كبيرة في قدرة هذه الدول على استيعاب هذه الأعداد من المصابين وتوفير الرعاية الصحية لهم مما فاقم من الخسائر البشرية.
الملاحظة الثانية وهي أن هذه الأزمة أثبتت محدودية قدرات الدول فرادى على مواجهتها بإمكانياتها الذاتية مهما كان مستوى تطورها وتقدمها. كما أبرزت الحاجة إلى مزيد من التعاون الدولي في مواجهة الأزمات العالمية، لا سيما تلك المتعلقة بالأوبئة، وهو أمر بدا محدوداً في بداية الأزمة مما فاقم من خطرها وسرع اتساع رقعتها.
الملاحظة الثالثة وهي أن هذه الأزمة أظهرت أهمية فكرة الوعي المجتمعي وانضباط الشعوب وتعاونها مع الحكومات، كأساس لمواجهة انتشار الوباء، وهو ما أعاد التأكيد على أهمية تضافر الجهود الرسمية والشعبية في مواجهة الأزمات الخطيرة، ولا سيما في أزمة كهذه كانت أساليب المواجهة الرئيسية فيها تعتمد على الحد من حركة السكان ومنع اختلاطهم لوقف انتشار الوباء. ولعل هذا هو ما أحدث فرقاً في كثير من الحالات، فرغم تشابه الإجراءات التي اتخذتها معظم دول العالم لتقييد حركة السكان مثل منع السفر والتنقل والعزل الصحي وفرض حالة الطوارئ الصحية وغير ذلك من إجراءات، فإن التزام الشعوب بهذه الإجراءات كان مهماً في جهود المواجهة وتقليل الأضرار.
إدارة الإمارات لأزمة "كوفيد-19": السمات العامة
قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً رائداً في كيفية إدارة أزمة لها بعد عالمي بحجم وباء "كوفيد- 19" وخطورته، ويمكن تحديد أهم سمات هذا النموذج في الآتي:
نهج استباقي في التعامل مع الأزمة: وهذه سمة لا تتعلق بإدارة الإمارات لهذه الأزمة فقط، وإنما بمجمل سياساتها، حيث تحرص الدولة وقيادتها السياسية على وضع الخطط والاستراتيجيات المستقبلية التي تسعى من خلالها إلى تحقيق طموحها في التنمية والريادة العالمية في المجالات كافة. وتضع الإمارات من خلال صياغتها لهذه الخطط والاستراتيجيات في اعتبارها جميع السيناريوهات المحتملة وكيفية التعامل معها بالشكل الذي لا يعرقل تحقيق طموحها المشروع.
فقد اختارت الإمارات، في ما يتعلق بإدارة أزمة "كوفيد-19"، منذ البداية التعامل معها بجدية ومراقبة تطور الأوضاع العالمية الخاصة بها، واتخذت الإجراءات التدريجية بالشكل الذي يناسب كل مرحلة، مع تقييم كافة الجهود والممارسات الدولية أولاً بأول لاستخلاص الدروس والعبر التي تساعد صانع القرار على التعامل الحصيف مع هذه الأزمة.
كما استفادت الإمارات في نهجها الاستباقي لإدارة هذه الأزمة من الجهود التي بذلتها في السابق في تطوير قطاعات عدة ورفع مستوى جاهزيتها وكفاءتها، في تطبيق الإجراءات التي اتخذتها لمواجهة انتشار وباء "كوفيد-19"، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر التقدم الذي حققته في مجال البنية التحتية التكنولوجية، من خلال مبادرات الحكومة الإلكترونية والحكومة الذكية، في تطبيق مبادرتي العمل والتعليم عن بعد وإنجاحهما، بما يسمح بمواصلة مسيرة التنمية والتعلم ويستجيب في الوقت نفسه للإجراءات الصحية التي تفرض تقييد حركة السكان ومنع اختلاطهم. واستفادت الإمارات أيضا من تطور القطاع الصحي والبنية التحتية الصحية المتطورة التي راكمتها على مدى سنوات طويلة في إجراء الفحوص، وتوفير الرعاية الصحية للمصابيين بدرجة عالية من الكفاءة.
نهج التعامل الشامل متعدد الأبعاد: فالإمارات لم تركز على جانب دون الآخر، وإنما اهتمت بجميع جوانب الأزمة وتشابكاتها بما في ذلك الجوانب الصحية، والجوانب الاقتصادية، والجوانب السياسية المتعلقة بالتعاون الدولي، إضافة إلى الجوانب الإعلامية والوقائية، ولا سيما في ما يتعلق بتعزيز الوعي المجتمعي بخطورة هذا الوباء وضرورة الالتزام بالإجراءات المفروض لمنع انتشاره، على نحو ما كما سيتم التوضيح لاحقاً.
نهج التعاون مع المجتمع الدولي: فعلى عكس ما أظهرته الأزمة في بداية من محدودية للتعاون الدولي في مواجهتها، ودخول الدول الكبرى في تلاسن واتهامات بالمسؤولية عن الأزمة، أظهرت دولة الإمارات منذ البداية درجة عالية من التعاون والتضامن مع الدول والشعوب التي تضررت من انتشار الوباء فيها، تمثلت بالأساس في الاتصالات التي أجرتها القيادة السياسية الإماراتية ممثلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بقادة كثير من دول العالم، للإعراب عن تضامن دولة الإمارات معهم واستعدادها لتقديم المساعدة لهذه الدول، إضافة إلى تقديم المساعدات الطبية العاجلة لبعض الدول لمساعدتها على مواجهة الوباء.
نهج تشاركي في الداخل: ويتمثل هذا النهج في بناء شراكات فاعلة بين الجهات الرسمية والمسؤولين وبين كافة قطاعات المجتمع ومؤسساته الخاصة والأهلية والإعلامية لمواجهة هذا الوباء من خلال حملات توعوية فاعلة على مختلف المؤسسات، أو عبر دعم الجهود الحكومية الرامية إلى مكافحته ومنع انتشاره.
وهذا النهج التشاركي يعكس بصورة عامة نهج العمل الوطني داخل الإمارات حيث أن هناك علاقات ترابط وثيق وثقة متبادلين بين القيادة السياسية والأجهزة الرسمية من جهة، وبين الجماهير ومؤسسات المجتمع المدني والخاص من جهة أخرى، وهو ما شكل على الدوام أحد العوامل المهمة التي ضمنت استقرار دولة الإمارات وتقدمها وازدهارها.
آليات المواجهة الإماراتية لوباء "كوفيد-19"
تنوعت الآليات والإجراءات التي طبقتها دولة الإمارات في مواجهتها الشاملة لوباء فيروس كورونا المستجد، بصورة عكست نجاح الدولة في إدارة هذه الأزمة، ومرونة مؤسساتها وأجهزتها الرسمية وقدرتها على مواجهة هذه الأزمة بكفاءة وفاعلية، وذلك من خلال ما يلي:
الجانب الصحي/الوقائي: اتخذت الدولة – على غرار الكثير من دول العالم – مجموعة من الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية المناسبة لمنع انتشار المرض في أراضيها، ولا سيما في ضوء انفتاحها الكبير على الخارج واستضافتها لجاليات من مختلف دول العالم؛ ومن ذلك تأسيس وتأهيل المستشفيات ودور الرعاية الصحية وتزويدها بكافة الإمكانيات التي تساعدها على التعامل مع أية حالات إصابة محتملة، وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة لأكبر عدد من السكان بهدف التأكد من خلوهم من المرض واكتشاف الحالات المصابة وتفعيل برامج الرعاية الصحية اللازمة لها.
وحققت الإمارات، في هذا السياق، إنجازين عالميين كبيرين: الأول هو تصدرها دول العالم من حيث إجراء الفحوصات المختبرية للتأكد من سلامة أصحابها من فيروس كورونا المستجد نسبة إلى عدد سكان الدولة. والثاني هو تأسيس أكبر مختبر لتشخيص "كورونا" في العالم خارج الصين، وتشغيله خلال 14 يوماً فقط بهدف توفير حل فوري يلبي الاحتياجات المتصاعدة لاختبارات "كوفيد-19" في الدولة.
كما اتخذت الدولة العديد من الإجراءات النوعية في هذا الصدد مثل مبادرة تدشين "مركز إجراء الفحص من المركبة" للكشف عن الفيروس لأفراد المجتمع؛ وتوفير الفحص مجانا لكافة الحالات التي تتطلب ذلك من المواطنين أو المقيمين على أرضها، وتوفير أحدث التجهيزات الطبية التي تساعد في اكتشاف الإصابة وتوفير الرعاية الصحة المناسبة.
والأمر المهم هنا والملفت هو عامل الوقت والسرعة، حيث شكلت سرعة عمليات إجراء الفحص الخاصة بالفيروس وتغطيتها لأكبر عدد ممكن من السكان عاملا مهماً في المعركة التي تخوضها الدولة للحد من انتشاره هذا الوباء؛ وهذا الأمر أدركته القيادة السياسية الإماراتية بوضوح، ونقلته وسائل الإعلام المحلية من خلال مداخلة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان التي قال فيها في مجلسه المنعقد منتصف شهر مارس الماضي:
"جميعنا رأينا الفرق بين الدول التي اتخذت إجراءاتها الاحترازية مبكرا، وبين غيرها من الدول التي تأخرت في ذلك.. فالدول التي باشرت تدابيرها الوقائية مبكرا ولو بفارق أيام أو أسابيع سبقت نظيراتها التي تأخرت في اتخاذ إجراءاتها في احتواء الفيروس ومواجهة تداعياته"
وهذا الإدراك لعامل الوقت ساعد الإمارات على إدارة الأزمة بفاعلية ونجاح.
الجانب الاقتصادي: أحدث وباء كورونا المستجد أزمة اقتصادية عالمية ربما تتجاوز في حدتها كافة الأزمات السابقة، ما دفع الكثير من دول العالم إلى تقديم خطط إنقاذ اقتصادي بتريليونات الدولارات بهدف دعم اقتصاداتها في مواجهة هذه الأزمة.
وقد اتخذت دولة الإمارات في هذا الصدد العديد من الإجراءات لمواجهة التبعات الاقتصادية للأزمة، والتي تزامنت مع انخفاض ملحوظ في أسعار النفط العالمية؛ ومن ذلك إعلان مصرف الإمارات المركزي عن خطة دعم اقتصادي شاملة بتكلفة 100 مليار درهم موجّهة للعملاء الأفراد والشركات المتأثرين بالوباء، وإطلاق المجلس التنفيذي لإماراة أبوظبي حزمة حوافز اقتصادية وتسريع خطط تنفيذ العديد من المشروعات والمبادرات الاقتصادية المهمة ضمن برنامج (غدا 21) لدعم الأنشطة الاقتصادية وخفض تكاليف المعيشة وتسهيل ممارسة الأعمال في الإمارة. كما أعلنت إمارة دبي عن حزمة حوافز اقتصادية بقيمة 1.5 مليار درهم للأشهر الثلاثة القادمة بهدف دعم الشركات وقطاع الأعمال وتعزيز السيولة المالية.
كما نجحت الدولة بمؤسساتها المختلفة، الحكومية والخاصة، في تفعيل مبادرات العمل عن بعد مستفيدة من البنية التحتية التكنولوجية القوية في الإمارات، بشكل ضمن استمرارية عمل معظم القطاعات الاقتصادية بالرغم من الإجراءات التقييدية لحركة السكان لمنع انتشار الوباء.
ويشار إلى أن الإمارات، بشكل عام، تتمتع باقتصاد قوي ومرن ومتنوع سيساعدها على مواجهة التبعات الاقتصادية لهذه الأزمة، أو على الأقل التقليل من تداعياتها السلبية على الدولة اقتصادياً. كما أن لديها الخطط والبرامج الطموحة لتعزيز تجربتها التنموية الرائدة والانتقال بها إلى مرحلة ما بعد النفط خلال العقود القادمة.
الجانب السياسي: عملت الإمارات، كما سبقت الإشارة، منذ بداية الأزمة على تعزيز التعاون مع مختلف القوى الدولية والإقليمية بهدف تنسيق جهود مواجهة هذا الوباء العالمي، وانعكس ذلك بوضوح في العدد الكبير من الاتصالات التي أجراها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مع العديد من قادة دول العالم والمسؤولين الدوليين لبحث سبل تحقيق التضامن الدولي في مواجهة هذا الوباء، وتقديم المساعدات اللازمة للدول المتضررة. كما شكلت مشاركة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في قمة قادة مجموعة العشرين الافتراضية التي دعت إليها واستضافتها السعودية، وكلمته المهمة في هذه القمة، تأكيداً لهذا النهج التعاوني الدولي الذي تعمل الإمارات من أجل ترسيخه دولياً.
الجانب الإنساني: لم يقتصر التحرك الإماراتي على توفير الرعاية الصحية للإماراتيين والمقيمين داخل الإمارات فقط، وإنما بادرت الدولة إلى مساعدة الأفراد والأشخاص الموجودين خارج حدودها والمتأثرين بهذا الوباء، حيث قامت بنقل رعايا عدد من أبناء الدول الأخرى من مدينة ووهان الصينية، وأنشأت لهم مدينة متكاملة وهي مدينة الإمارات الإنسانية لتوفير الرعاية الصحية لهم حتى إعادتهم إلى بلدانهم بعد التأكيد من خلوهم من الإصابة بالفيروس وعلاج المصابيين منهم.
وقد استقبلت الدولة هؤلاء الأفراد على أراضيها برسائل ترحيب شخصية من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد نفسه. كما قدمت الدولة مساعدات طبية عاجلة لمساعدة أبناء الشعب اليمني على مواجهة خطر هذا الفيروس، ودعمت الجهود الدولية الرامية إلى تقديم المساعدة للدول الفقيرة لمساعدتها على التصدي لخطر الوباء.
الجانب الأمني: وتبرز هنا على وجه الخصوص قضية الأمن الغذائي، ففي ظل أزمة انتشار وباء فيروس كورونا المستجد وما ترتب عليها من عمليات إغلاق للحدود وتقييد لحركة الناس والتجارة الدولية، تزداد المخاوف من انقطاع سلاسل توريد الغذاء، ما يشكل خطراً داهما على بعض البلدان، خاصة تلك التي تعتمد على وارادات الغذاء من الخارج.
وقد أولت الإمارات أهمية خاصة لهذه القضية حتى قبل أزمة وباء كورونا، حيث أنشأت العديد من الأجهزة والاستراتيجيات الوطنية للتعامل مع هذه القضية، ومن ذلك تعيين وزيرة للدولة مسؤولة عن ملف الأمن الغذائي المستقبلي، لتكون أول وزيرة للأمن الغذائي في العالم، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي في نوفمبر 2018، وتشكيل مجلس الإمارات للأمن الغذائي في يناير 2020، بهدف تحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.
كما شددت القيادة الإماراتية خلال أزمة "كوفيد-"19 على أهمية ضمان استدامة الأمن الغذائي لدرجة أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد اعتبر أن "الدواء والغذاء خط أحمر"، وتعهد بتوفيرهما في جميع الظروف والأحوال، وأصدرت الدولة قانوناً اتحادياً في نهاية مارس 2020 لتنظيم المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية في حال حصول أزمات وطوارئ وكوارث، وتحقيق الاستدامة في مجال الغذاء.
جانب تعزيز الوعي المجتمعي: أدركت الإمارات منذ بداية الأزمة أن مواجهة وباء فيروس كورونا المستجد لا يمكن أن يتحقق من دون كسب معركة تعزيز الوعي المجتمعي وفرض الانضباط والالتزام بالقواعد والإجراءات الصحية التي تمنع اختلاط الأشخاص، فعمل على توظيف الأدوات الإعلامية التقليدية والحديثة بكفاءة في تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الالتزام بهذه الإجراءات الصحية، وحققت نجاحاً كبيراً في هذا الشأن، بعدما انضمت مؤسسات العمل الأهلي والخاصة وحتى الأفراد لجهود الدولة التوعوية، وهو ما كان له عامل حاسم في إدارة الأزمة.
منصة وقاية: مبادرة لتعزيز الوعي وترسيخ الشراكات المؤسسية في مواجهة كورونا
أطلقت الهـيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث في الأول من أبريل 2020، المنصة الإلكترونية الوطنية "وقاية" بالتعاون مع وزارة الصحة ووقاية المجتمع، ودائرة الصحة - أبوظبي، وهيئة الصحة بدبي، وعدد من الجهات الصحية المعنية في الدولة.
وتهدف المنصة إلى التعريف بالإجراءات الصحية والوقائية، التي يجب اتباعها لسلامة وصحة الأفراد من أية أمراض أو أوبئة، بما في ذلك فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، حيث تقدم أحدث الأخبار والمستجدات الرسمية المتعلقة بالفيروس، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو التوعوية، وأفضل النصائح والممارسات الطبية، التي تساعد الفرد على وقاية نفسه وأفراد أسرته.
وتشكل هذه المنصة مبادرة نوعية مهمة تستهدف بالأساس تعزيز الجهود الحكومية التي تقوم بها دولة الإمارات لمواجهة وباء "كوفيد-19" واحتواء انتشاره. وتكمن أهميتها لاعتبارات عدة:
أولها:تشكل هذه المنصة ترجمة لأحد السمات الرئيسية التي تميز منظومة العمل الحكومي في دولة الإمارات، والقائمة على التعاون المؤسسي، فمنصة "وقاية" تقوم على التعاون بين الهـيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث وكل من وزارة الصحة ووقاية المجتمع، ودائرة الصحة - أبوظبي، وهيئة الصحة بدبي، وعدد من الجهات الصحية المعنية في الدولة، وهذا التعاون المؤسسي لا شك في أنه يعزز من فاعلية الجهود الحكومية وتوحيدها في التصدي لهذا الوباء. كما أن هذا التعاون المؤسسي يعد ترجمة لروح الفريق التي تميز العمل الحكومي، ويقف وراء ما حققته الإمارات من إنجازات نوعية في مختلف المجالات.
ثانيها: تركز هذه المنصة ضمن أهدافها على تعزيز وعي أفراد المجتمع، باعتباره أهم أدوات إدارة أزمة وباء "كوفيد-19"، حيث تشير خبرات العديد من دول العالم إلى أن الوعي بخطورة هذا الوباء والالتزام بتعليمات الجهات المعنية وإرشاداتها يشكل عاملاً حاسماً في التعامل مع هذا الفيروس؛ فالصين نجحت في احتواء هذا الفيروس نتيجة للوعي المجتمعي، بينما انتشر الفيروس في دول أخرى عديدة، نتيجة لغباب هذا الوعي وعدم الاكتراث بالالتزام بالتعليمات، ولهذا فإن منصة وقاية تستهدف التعريف بالإجراءات الصحية والوقائية، التي ينبغي لأفراد المجتمع اتباعها لتجنب الإصابة بالمرض والوقاية منه.
ثالثها: تهدف هذه المنصة إلى التصدي للشائعات التي تلقى رواجاً في أوقات الأزمات والكوارث، خاصة أن منصة "وقاية" تعد المصدر الموثوق لجميع المعلومات المتعلقة بفيروس كورونا المستجد في الإمارات، ومن ثم تقطع الطريق على أي محاولات لنشر الشائعات حول فيروس كورونا، ليس لأنها تتيح لأفراد المجتمع التواصل مع الخبراء والاختصاصيين وطرح أي أسئلة أو استفسارات والإجابة عليها، وإنما أيضاً لأن المعلومات التي توفرها هذه المنصة يتم تحديثها يومياً وعلى مدار الساعة.
رابعها: تسعى هذه المنصة إلى تعزيز المسؤولية المجتمعية والأخلاقية لمختلف المؤسسات الحكومية والخاصة بهدف مواجهة هذا الوباء والحد من آثاره وتداعياته على أفراد المجتمع. كما تعزز من دور الأفراد، مواطنين ومقيمين، في جهود المواجهة، حيث يتألف فريق "وقاية" من مجموعة من المتطوعين من كافة الجنسيات للقيام بالتوعية الميدانية وتقديم الدعم للمجتمعات المحلية من كافة الجنسيات.
خامسها: تسعى أن هذه المنصة إلى تعزيز مفهوم الأمن الصحي الذي يعد أحد أبعاد الأمن الوطني الشامل لأي دولة، بعدما أظهرت التداعيات الكارثية لانتشار وباء "كوفيد-19" في العديد من دول العالم أهمية وجود منظومات صحية ووقائية قوية لديها القدرة على التعامل مع أية أزمات صحية طارئة، وتقديم الرعاية الصحية لجميع أفراد المجتمع.
وبالفعل فقد أثبتت دولة الإمارات من خلال إدارتها لأزمة فيروس كورونا المستجد أنها صاحبة تجربة يحتذى بها في هذا الشأن، فتوفير الرعاية الصحية على مستوى عالمي يعد إحدى الركائز الست في الأجندة الوطنية لدولة الإمارات 2021، وتبذل الحكومة جهودا مستمرة لتعزيز الرفاهية والرعاية الصحية للسكان من مواطنين ومقيمين، وهذا ما جسدته مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة:" إن الدواء والغذاء خط أحمر ولا تشيلون هم أبداً"، والتي تعبر عن هذه الفلسفة العميقة في الاهتمام بالأمنين الصحي والغذائي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
المنصة الإلكترونية الوطنية "وقاية" تجسد روح المبادرة والابتكار التي تميز الأداء العام للهـيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث في إدارتها لأزمة وباء كورونا، حيث اتخذت الهيئة منذ الإعلان عن جائحة كورونا سلسلة من الخطوات المهمة التي تواصلت خلالها مع أفراد المجتمع وإيصال رسائل الطمأنة والتوعية إليهم، فقد قامت بالتنسيق مع وزارة الصحة ووقاية المجتمع في تصميم استبيان يومي لمساعدة أفراد المجتمع على تقييم حالتهم الصحية وضمان بقائهم بصحة جيدة.
كما أطلقت الدليل الإرشادي لجاهزية استمرارية الأعمال للمؤسسات، وذلك لتطبيق الإجراءات الوقائية لحالة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، وذلك بهدف تعزيز جهود الدولة على المستوى الوطني ونقل الخبرات والممارسات على المستوى العالمي، وتوضيح طبيعة الإجراءات الاحترازية والوقائية الواجب على المؤسسات اتباعها، بالإضافة إلى وضع متطلبات ضمان جاهزية منظومة استمرارية الأعمال التي جاءت وفق مواصفات عالمية وذلك بتبني استراتيجيات استمرارية الأعمال التي تتضمن جاهزية المؤسسات للعمل على تلك الإجراءات وجعلها أكثر مرونة، بجانب مراقبة الموردين وسلاسل الإمداد وفي الوقت ذاته، فإن إدارة السلامة والوقاية في الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث تقف على كل التقييمات والسيناريوهات المحتملة لاحتواء كل ما يتعلق بفيروس كورونا للحيلولة دون انتقاله إلى الآخرين من خلال مركز العمليات الوطني في مقر الهيئة.
خاتمة
لقد أثبتت دولة الإمارات من خلال إدارتها لأزمة وباء كورونا أنها نموذج يحتذى به في التعامل الفاعل في احتواء التداعيات التي قد تترتب على الأزمات والكوارث الطارئة:
فعلى الصعيد الداخلي: سارعت إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات الوقائية والتدابير الاحترازية المهمة التي عززت من الأمنين الصحي والغذائي لكافة أفراد المجتمع، كما سبق الإشارة، وجعلت الجميع، مؤسسات وأفراد، شركاء في تحمل مسؤولية مواجهة هذا الوباء.
وعلى الصعيد الخارجي: أكدت الإمارات أنها طرف فاعل في تعزيز الجهود الدولية الرامية إلى مواجهة هذا الوباء، سواء من خلال المساعدات التي قدمتها للدول التي تأثرت بشكل سلبي جراء انتشار الفيروس فيها أو من خلال تقديم المساعدات لمنظمة الصحة العالمية للقيام بدورها على الوجه الأمثل، أو من خلال تنسيقها المستمر والمتواصل مع العديد من القوى الكبرى من أجل تفعيل الجهود الدولية في هذا الشأن، وذلك ترجمة لمسؤوليتها الأخلاقية التي تنطلق من الإيمان بضرورة التعاون والتضامن الدولي في مواجهة هذه النوعية من الأزمات التي تمثل تهديداً للإنسانية جمعاء.
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)