مقدمة
ممّا لا شكّ فيه أن عالم اليوم يشهد تحوّلات عميقة في بنية العلاقات الدولية، وأن تلك التحوّلات ناتجة أساسًا من تحولات أخرى سلبية، على رأسها التحولات الديموغرافية والبيئية والاقتصادية، خصوصًا بعد مرور العالم بثلاث تجارب يمكن وصفها بأنها من الأحداث التي لها ما قبلها وما بعدها قي تاريخ البشرية، وهي بترتيب وقوعها: الربيع العربي (2011)، وجائحة كورونا (2019)، والحرب الروسية الأوكرانية (2022).
ويزيد من قتامة الصورة، أن معظم التقارير الدولية المرموقة تستشرف أنه من غير المرجح ألا يكون العالم أفضل ممّا هو عليه الآن، فالعالم سيتجه من سيئ إلى أسوأ، فوفقًا لتقرير مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC) عن حالة العالم عام 2040([1])، فإنّ النظام والمقاربات والمؤسسات والأنظمة التي هيمنت على العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ستُستنزف وستلاقي صعوبات جمّة في الاستجابة "للتحديات العالمية المتتالية القادمة"، بما في ذلك تغيّر المناخ والجوائح والأزمات الاقتصادية والمالية وآثار التكنولوجيا المتطوّرة. لذا فمن المتوقع أن تتفاقم الصراعات داخل الدول وفيما بينها، ليشكّل ذلك تحديًا كؤودًا يعيد رسم خريطة العلاقات والتفاعلات الدولية وبالتالي شَكْلَ العالم في 2023 وما بعدها.[2]
تركّز تلك الدراسة القصيرة على تشخيص وتحليل تأثير ذلك السياق على "العالم المعولم" Globalized World[3]، الذي كانت تسود قيَمُه وقوانينُه ومقارباتُه قبل تلك الأحداث، أي حتى العشرية الأولى من هذا القرن، وكيف يتحوّل هذا العالم رُوَيْدًا رُوَيْدًا من حالة العولمة إلى حالة يمكن تسميتها "بالعالم المحوجز أو المعوزل" Buffered World، وذلك من خلال أنواع متعددة من "العوزلة" منها الجغرافية والاقتصادية والرقمية والحضارية والذهنية.
ولتحقيق هذا الهدف تنقسم تلك الدراسة إلى ثلاثة أقسام. في القسم الأول منها نشرح سياق هذا التحول من "العولمة Globalization إلى" الحوجزة أو العوزلة" Buffering وفي الجزء الثاني نبين باقتضاب أشكال "الحوجزة" في عالم 2023 وما بعدها، وهي: الحوجزة الجغرافية والجيوسياسية والاقتصادية والمجتمعية والحضارية والرقمية والحوجزة بما بعد البعديات والحوجزة الذهنية.
أولًا: سياق التحوُّل من "العالم المُعَوْلَم" Globalized World إلى "العالم المُحَوْجَز" Buffered World
تؤكد التقارير أن العديد من البلدان سوف تكافح للبناء على ما تم تحقيقه في العقود القليلة الماضية في مسارات التنمية البشرية في مجالات الصحة والتعليم وازدهار الأسرة، أو حتى الحفاظ عليها؛ بسبب صعوبات استمرار أو تفاقم صعوبات مثل جائحة "كوفيد-19"، والبطء في النمو الاقتصادي العالمي، وشيخوخة السكان، وآثار تفاقم الصراع في مناطق كثيرة من العالم والتغيّر المناخي. وستشكِّل هذه العوامل تحديًا للحكومات في شتي بقاع العالم في توفير الخدمات الرئيسية المتصلة بمجالات حيوية مثل التعليم والبنية التحتية اللازمة لتحسين ظروف وإنتاجية الطبقات الوسطى الحضرية، التي كانت متنامية ومزدهرة في اقتصاد القرن الحادي والعشرين. كما من شبه المؤكد أن تؤديَ التحوُّلات التي طرأت على الاتجاهات الديموغرافية في العالم إلى تفاقم التفاوتات في الفرص الاقتصادية داخل البلدان وفيما بينها خلال العقدين المقبلين، فضلًا عن خلق المزيد من الضغوط والنزاعات بشأن الهجرة[4].
وفي مجال البيئة، تتفق معظم التقارير الدولية ومن أهمها تقرير مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC) لشكل العالم عام 2040 على أنَّ "من المرجَّح أن تزداد حدة الآثار المادية لتغيُّر المناخ خلال العِقدين المقبلين، خصوصًا في ثلاثينيات القرن الحالي، وأن العالم سيشهد "المزيد من ارتفاع درجات الحرارة والعواصف الشديدة والجفاف والفيضانات وذوبان الأنهار الجليدية والقلنسوات الجليدية وسيصاحب ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر" في العديد من المناطق الجغرافية في العالم. وممّا لا شكّ فيه في هذا السياق أن ذلك "سيؤثر في العالم كله ولكن بشكل غير متناسب، بل بشكل أكبر على العالم النامي والمناطق الأفقر فيه، وسيخلق ذلك الوضعُ نقاطَ ضعفٍ جديدة، وسيفاقم المخاطر الحالية، وهو ما سينعكس على الازدهار الاقتصادي وعلى قطاعات الغذاء والماء والصحة وأمن الطاقة. ومن المرجّح أن تقوم الحكومات والمجتمعات والقطاع الخاص بتوسيع تدابير التكيُّف والمرونة لإدارة تلك التهديدات والمخاطر، ولكن من غير المرجّح أن تكون تلك التدابير متساوية الأثر، وهو ما سيجعل بعض السكان في بعض المناطق يتخلّفون عن الركب. وستزداد المناقشات حول كيفية الحد من انبعاثات الغازات التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري".[5]
وعلى المستوى الاقتصادي، "سيرتفع الدَّين الوطني لمعظم الدول، خلال العقدين المقبلين، وستكون البيئة التجارية العالمية أكثر تعقيدًا وتجزئة، وستشهد التجارة العالمية تحوُّلات جذرية، واضطرابات جديدة في قطاع التوظيف، وستتغير الظروف الاقتصادية داخل الدول وفيما بينها. وقد تجد العديد من الحكومات نفسها مضطرة إلى التقليل من المرونة بسبب أعباء ديون أكبر. وسنشهد قواعد تجارية جديدة ومتنوعة، ومجموعة أوسع من الجهات الفاعلة الحكومية ومن الشركات النافذة"[6].
ووفقًا لذلك التقرير الخاص بمجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC) عن حالة العالم عام 2040[7]، فإنه على مستوى الأفراد والمجتمعات، سيتزايد التشرذم والانقسامات داخل المجتمعات حول مختلف القضايا الاقتصادية والثقافية والسياسية. فالتغيّرات الاجتماعية والتكنولوجية السريعة ستجعل قطاعات كبيرة من سكان العالم تعادي المؤسسات والحكومات التي سيرونها غير راغبة أو غير قادرة على تلبية احتياجاتهم، وسينجذب الناس أكثر فأكثر إلى المجموعات والتنظيمات والمؤسسات المألوفة لديهم وذات التفكير المتشابه مع أفكارهم التقليدية، بما في ذلك القائمة على الهويات العرقية والدينية والثقافية وكذلك تجمعات المصالح والدفاع عن قضايا محددة مثل حماية البيئة. وسيؤدّي تنامي ولاءات الهوية من جانب، وبيئة المعلومات المنعزلة من جانب آخر، إلى تفاقم التصدعات داخل الدول، ويقوّض قومية ومدنية الدولة، وهو ما سيزيد من التقلبات.
على مستوى الدولة، يستشرف التقرير أن من المرجح أن تواجه العلاقات بين المجتمعات وحكوماتها في معظم مناطق العالم توتّرات مستمرة بسبب عدم التوافق المتزايد بين ما يحتاجه الجمهور وما يتوقّعه وما يمكن أن تقدّمه الحكومات وما ستقدّمه بالفعل. وتنذر هذه الفجوة المتّسعة بين الشعوب والحكومات بمزيد من التقلبات السياسية، وتآكل الديمقراطية، وتوسيع أدوار مقدّمي الحَوكمة البديلة من الفاعلين من غير مؤسسات الدولة. وبمرور الوقت، قد تفتح هذه الديناميكيات الباب لتحوّلات أكثر أهمية في كيفية حكم الناس مستقبلًا ما بعد عام 2023.[8]
أما على مستوى النظام الدولي، فيري التقرير أنّه من غير المحتمل أن تستأثر دولة واحدة بالسيطرة على النظام العالمي أو على معظم مجالات المعرفة، وفي هذا السياق سوف تتنافس مجموعة أوسع من الجهات الفاعلة لتشكيل النظام العالمي الجديد. كما يؤكد التقرير أنّ من المرجّح أن تؤديَ التحوّلات المتسارعة في القوة العسكرية، والتركيبة السكانية، والنمو الاقتصادي، والظروف البيئية، والتكنولوجيا، فضلًا عن الانقسامات الشديدة بشأن نماذج الحكم، إلى زيادة المنافسة بين الصين وروسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.[9]
كما يتنبّأ التقرير بأنه في ظلّ هذا السياق، ستعيد القوى الدولية من جديد تشكيل المعايير والقوانين والمؤسسات العالمية المتصلة بالعلاقات الدولية. كما يستشرف التقرير أن القوى الإقليمية والجهات الفاعلة غير الحكومية ستمارس مزيدًا من النفوذ والقيادة في القضايا التي تتركها القوى الكبرى من دون رقابة، وأن هذه التفاعلات الشديدة التنوع قد تؤدّي إلى بيئة جيوسياسية أكثر عرضة للصراع والتقلّب، وإلى تقويض التعددية العالمية، وتوسيع نطاق عدم التوافق بين الدول.[10]
وأصبح موضوع أفول الغرب من الموضوعات المتداولة بزخم في الأدبيات، ومن أشهر الكتب التي تناولت مسألة أفول الغرب كتاب فريد زكريا[11] "عالم ما بعد أمريكا" الذي يُبرز أفول الهيمنة الأمريكية وصعود قوى أخرى تشارك الولايات المتحدة الأمريكية القيادة. وكتاب عالم الاجتماع النرويجي يوهان جالتونج "سقوط الإمبراطورية الأمريكية: ماذا بعد؟ الذي يتوقع فيه انهيار الإمبراطورية الأمريكية وبقاءها دولة عادية كأي دولة في العالم وذلك قبل عام 2025 وكتاب إيمانويل تود "ما بعد الإمبراطورية.. دراسة في تفكُّك النظام الأمريكي" الذي يتوقع فيه سقوط الولايات المتحدة كقوة وحيدة عظمى، وكان "تود" توقّع عام 1976 سقوط الاتحاد السوفيتي، استنادًا إلى مؤشرات مثل زيادة وفيات الأطفال الرضَّع ومعدلات أخرى.[12] وكتاب جوزيف ناي[13] "هل انتهى القرن الأمريكي؟" الصادر في عام 2015، الذي تنبأ بنهاية الهيمنة الأمريكية على العالم وناقش الاحتمالات التي تدور حول أن الصين إما أنها ستحلُّ محلَّ الولايات المتحدة أو أنها بالفعل قد حلّت محلّها باعتبارها القوة العالمية القائدة. وكتاب باتريك آرتو، وماري بول فيرار "الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها"[14] الذي يتوقّع تدمير الرأسمالية الغربية نفسها ذاتيًّا. وكتاب "أمريكا بين عصرين" لفيلسوف الإمبراطورية الأمريكية وعقلها الاستراتيجي زبيجنيو بريجنسكي، الذي توقّع أيضًا أُفول أمريكا كدولة عظمى وبقاءَها ضمن الدول الكبرى، مع انتهاء العقد الثاني أو الثالث من القرن الحادي والعشرين. وكتاب "موت الغرب" لباتريك جيه بوكانن[15]، الذي يتنبأ بأفول الغرب، سواء عبر الأفول الأخلاقي أو عبر الأفول الديموغرافي والبيولوجي. وكتاب "أفول الغرب" للمفكر المغربي حسن أوريد الذي يناقش فيه تداعيات الانحسار الغربي على مستقبل العالم العربي. وكتاب الفيلسوف الألماني أوسوالد شبنجلر "تدهور الحضارة الغربية" الذي يرى أن كل حضارة تخضع بمجرد قيامها لدورة حياة بيولوجية كأنها كائن حي، لها ربيع وصيف وخريف وشتاء، وأن الغرب أصبح في مرحلة الأُفول الذي يسبق الانهيار[16].
ولا أدلّ على أن تلك الكتابات بها شيء من الصحة أكثر ممّا يبيّنه استطلاع رأي حديث تم الإعلان عن نتائجه أواخر عام 2022، تحت عنوان "أي سكان في العالم يشعرون أن بلدهم يسير في المسار الخطأ؟" إذْ ورد فيه أن 83% من البريطانيين و72% من الأمريكيين و71% من الألمان و64% من الكنديين غير راضين عن أداء حكوماتهم ويشعرون أن بلدانهم لا تسير على الطريق الصحيح[17].
وفي أعين العديد من الدول غير الغربية، تكمن أهمّ أسباب تآكل شرعية النظام الليبرالي الغربي في العالم في غياب المزيد من الإجراءات من قبل المؤسسات المتعدّدة الأطراف في هذا النظام لمواجهة تحديات عالم اليوم، وهو ما يهدّد فُرص تلك الدول في التنمية الاقتصادية وتصاعد مخاطر زيادة الفقر والتطرف والصراع[18]. وممّا لا شكّ فيه أن أفول النظام العالمي الذي كان قائمًا على العولمة، والذي كان يقوده الغرب، سوف يؤدي ولو وقتيًّا إلى تدهور المؤسسات العالمية، وزيادة التوتّرات الدبلوماسية بين الدول؛ لذلك ستسعى القوى العالمية الكبرى وبشكل متزايد إلى حماية نفسها من الأنشطة الاقتصادية والأمنية والسياسية لخصومها؛ ما يؤدي فيما سيؤدي إليه إلى تحايل تلك الدول أو تخطيها، دون مواربة، للأعراف الدولية التي كان متّفَقًا عليها، وهو ما سيقلّل من أهمية المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظماتها ومنظمات أخرى مثل منظمة التجارة العالمية[19].
يؤكد خبراء دوليون أن المستقبل لقارة آسيا، حيث إنّ "60% من سكّان العالم من قارة آسيا، و64% من الشحنات البحرية تأتي من آسيا، و60% من الاختراعات تقدم من آسيا، و48% من الطلاب الدوليين هم من آسيا.. وهو ما يجعل آسيا قارة مزدهرة وقادرة على تجاوز الغرب المثقل بالمشكلات"[20].
وفي هذا الصدد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال كلمته في مؤتمر "التفاعل وبناء الثقة في آسيا"، إن العالم بات يصبح متعدد الأقطاب، وإن آسيا ستؤدّي الدور الرئيسي في هذا النظام الجديد".[21]
وسيؤدي بدايات أفول الغرب وارتحال القوة إلى آسيا إلى عالم متعدد الأقطاب أكثر من أي وقت مضى، ربما يحدد أبرز معالمه ما جاء في خطاب الرئيس الروسي بوتين أثناء انطلاق أعمال القمة السادسة للدول الأعضاء في مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا: 1. فعل كل شيء لتشكيل نظام أمن متساو وغير قابل للتجزئة. 2. تغييرات جادة في السياسة العالمية تتماشي مع واقع عالم متعدد الأقطاب تؤدّي فيه آسيا الدور الرئيسي. 3. استخدام العملات الوطنية بشكل أكثر فاعلية في التعاملات البينية بين الدول، لتعزيز سيادتها. 4. إزالة جميع الحواجز أمام سلاسل التوريد في العالم[22]. كما تتفق كلٌّ من روسيا والصين والكثير من الدول غير الغربية على: 1. رفض هيمنة أي دولة على الشؤون العالمية، 2. رفض فكرة الأحادية القطبية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول. 3. رؤية أن النظام متعدد الأقطاب هو النظام الأمثل لتحقيق السلم والتنمية في العالم[23].
ومن اللافت للنظر إقرار مجلة بحجم "الإيكونيميست" بأن "الكثير من دول العالم النامي متعطشة ليس فقط للأموال الصينية، ولكن أيضًا للحصول على بديل لنموذج التنمية الغربي"، وفي دراسة بعنوان لافت كذلك وهو " تحديات تشكُّل العلاقات الخارجية للصين أمام شي جين بينغ: التوترات مع أمريكا وأوروبا ليست سوى البداية"[24].
كما يسعى بعض القادة الأوربيون لتحقيق استقلالية استراتيجية أوروبية عن الولايات المتحدة؛ فأثناء زيارة دولة إلى هولندا، استمرت يومين (11 و12 أبريل 2023)، وهي الأولى لرئيس فرنسي منذ 23 عامًا، شرح الرئيس الفرنسي ماكرون رؤيته لما وصفه بعصر جديد من "السيادة الأوروبية والأمن الاقتصادي".
وأشار ماكرون إلى خطر اعتماد أوروبا بشكل كبير على القوى العالمية الأخرى. واعتبر أن هذا الاعتماد يضع أوروبا في موقف لا تستطيع فيه أن تقرر بنفسها. وأضاف أن السيادة الأوروبية تعني أن القارة يمكن أن "تختار شركاءها وتشكّل مصيرها بدلًا من أن تكون مجرد شاهد على التطورات الدراماتيكية لهذا العالم. وأشار إلى أن "هذا يعني أننا يجب أن نسعى جاهدين لوضع القواعد بدلًا من تلقيها". وأكد ماكرون بذلك رغبة فرنسا في استقلالية استراتيجية أوروبية عن الولايات المتحدة، والتي عبر عنها أثناء زيارته الأخيرة إلى الصين بعدما أكد أن الأوروبيين يجب ألا "يتبعوا الولايات المتحدة أو الصين في مسألة تايوان، بل يجب أن يجسدوا قطبا ثالثًا".[25]
وأوضح ماكرون أن السيادة الأوروبية يجب أن تستند إلى الركائز الخمس: التنافسية، والسياسة الصناعية، والحمائية، والمعاملة بالمثل، والتعاون. لكنه أكد في الوقت نفسه أن أوروبا ستحافظ على علاقات قوية مع حلفائها، لافتًا إلى أنه بإمكانها القيام بذلك "بطريقة تعاونية تمشيًا مع روح الانفتاح والشراكة". كما شدد على أنه على الرغم من أن أوروبا "حليفة" لواشنطن فهذا لا يعني أن تكون "تابعة لها"،
فهل تنجح فرنسا في تحقيق استقلالية استراتيجية أوروبية عن الولايات المتحدة؟
ثانيًا: بعض مظاهر التحوُّل من "العولمة Globalization إلى" الحوجزة أو العوزلة" Buffering
بعد سقوط جدار برلين والمظاهر الجامحة لبوادر عصر العولمة التي شهدناها في أوائل التسعينيات، تم إعلان أن الحدود قد عفا عليها الزمن وأن تاريخها قد وصل لنهايته، وأنه لا مكان لها في القرن الـ 21. ولكن يبدو أن الواقع قد وضع تلك التكهنات في مأزق ولم يعد أحد يفكر في القضاء على الحدود تمامًا (بما في ذلك أوروبا، حيث أثبتت التجربة أنه يمكن إعادة تلك الحدود بسرعة، كما كان الحال أثناء وباء مرض الحمى القلاعية في عام 2001 ووباء كورونا عام 2019-2020).[26] ولكن عالم اليوم الذي نعيشه تتكاثر فيه الجدران كعَرَض من أعراض العولمة المغلقة[27] وصناعة وتجارة تأمين الحدود أصبحت سوقًا جديدة وواعدة[28].
وهناك من يجادل بأن العلاقات الدولية لم تعكس كثيرًا ظاهرة العولمة (على الأقل في قضايا الحدود السياسية) حتى من طرف الدول التي أسست لتلك الظاهرة، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، ولعلّ السور الفاصل بينها وبين المكسيك هو الصورة الأوضح لذلك. من جانب آخر غيّرت أحداث الـ 11 سبتمبر المشهد الحدودي الدولي بشكل كامل، وتحوّلت عملية "فتح" الحدود، التي كانت قد قطعت شوطًا في جعل العالم قرية صغيرة بلا حدود، إلى عملية "تصلُّب للحدود "Hardening، بما يتنافى تمامًا مع خطابات العولمة، وهو ما خلق جيلًا ثانيًا من الجدران في العلاقات الدولية عُدّت أكثر حجزًا وصرامة من الحواجز التقليدية[29].
ومن أبرز الأمثلة على العزل أو الحَوْجَزَة الجغرافية في عالمنا المعاصر، المناطق والجدران والأسوار العازلة التالية: جدار الصحراء الغربية، والمناطق العازلة بين المغرب وإسبانيا، وبين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، وبين مصر وغزة، والمناطق العازلة في تونس على حدودها الجنوبية وكذلك الغربية، والجدار السعودي على طول حدودها مع العراق، وبين اليونان وتركيا، و"خط السلام" الذي يفصل بين الكاثوليك والبروتستانت في بلفاست في آيرلندا الشمالية، ومناطق العزل والحوجزة بين الهند وبنغلاديش، وجدار لبنان حول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، وجدار الفصل العنصري في إسرائيل، وجدار المجر بطول حدودها مع صربيا[30].
والأمر مرشّح لتكاثر الجدران والأسوار والمناطق العازلة في عام 2023 وما بعدها لسببين: أولًا، لأن المناطق العازلة ليست مفارقة تاريخية، إذْ عادة ما تلجأ إليها الدول في سياقات كثيرة من أهمها الفراغ في السلطة أو إنشاء ثقة مفقودة بين الجيران أو مجابهة الإرهاب أو اختراقات الحدود من قبل جماعات الجريمة المنظمة[31]. وثانيًا، لأن البيئة الجيوسياسية لعالم اليوم حُبلى بالصراعات والتقلبات، كما أوضحنا في الجزء الأول من تلك الدراسة.
في الجغرافيا السياسية، يغطّي مفهوم المنطقة العازلة مجموعة متنوعة من المواقف، ومن المتوقع تكاثر وظهور أشكال جديدة من المناطق العازلة، للتوافق مع الاتجاهات الحديثة للدول في إبعاد النزاعات والقلاقل عن أراضيها ومجتمعاتها[32].
تاريخ اللجوء لمناطق عزل جيوسياسي من قبل الدول هو تاريخ ممتد ومتنوع، فعلى سبيل المثال ووسط دعوات تطويق روسيا بشكل ناجع، كانت أوكرانيا تُستخدم من قبل الساسة الغربيين كـ"منطقة عازلة" بين مناطق النفوذ الروسية والغربية، وهذا ما حاول أن ينفيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكثر من مرة، حيث قال برغم الكثير من الدلائل والقرائن المضادة لخطابه: "أوكرانيا ليست جسرًا، وليست وسيلة لتخفيف الصدمات بين الغرب وروسيا، وليست منطقة عازلة بين أوروبا وآسيا، وليست منطقة نفوذ ولا منطقة رمادية، وليست دولة عبور"[33]. ويمكن أن نقول إن الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت شرارتها بدايات عام 2022 هي بالنسبة للروس عملية فرض منطقة عازلة مضادة لروسيا مع أوروبا ولكن بشروط روسية بعد أن ألهبت الولايات المتحدة أوكرانيا لدرجة ربما حتّمت على الرئيس الروسي بوتين اجتياح أوكرانيا بحسب الرواية الروسية[34].
كما تعدُّ كلٌّ من روسيا والصين إيران منطقة عازلة جيوسياسية مجانية بينهما وبين الغرب، ولتعويض خسائرها الاقتصادية والسياسية وإدراكها لهذا الدور تحاول إيران في المقابل توسيع نفوذها في الشرق الأوسط بموافقة ضمنية من روسيا والصين كقوة موازنة للمصالح الإقليمية للولايات المتحدة واحتواء نفوذ الأنظمة السنية غير الإسلاموية في المنطقة. فروسيا على سبيل المثال تدرك الأهمية الاستراتيجية لإيران كمنطقة عزل جيوسياسي، ذلك أنّ إيران كجزء من قلب أوراسيا يمكن لها أن تؤديَ دورًا حيويًا في الحفاظ على سلامة أوراسيا، أو يمكنها بالعكس أن تؤديَ دورًا سلبيًّا يُسهم في تمكن الغرب من تفكيك الأراضي الأوراسية[35].وهناك مثال آخر على العزل الجيوسياسي في عالمنا المعاصر، وذلك عندما رسمت مصر خط سرت - الجفرة دفاعًا عن أمنها القومي وسلامة شـعبها[36].
تتكاثر المساحات المحمية الجديدة في الاقتصاد الرأسمالي المعاصر وهو ما بات يطلق عليه "فن إزالة المنافسة" أو الحمائية (Protectionism)، وذلك كنتيجة "لأن النظام الاقتصادي العالمي قد شهد تغيّرات جذرية خلال السنوات الماضية تزامنت مع ثورات تكنولوجية كبرى كان لها تأثير كبير على شكل الحروب والصراعات لتصبح حروبًا تجارية واقتصادية تمارسها الدول ضدّ بعضها بعضًا، ودفعت شعوبًا إلى تبنّي مواقف حكوماتها والتمسك بالانعزالية والانغلاق"[37]، وهو ما شكّل "نزعة دولية غير مسبوقة من "الحمائية التجارية"، حيث تبارت الدول في فرض رسوم جمركية على منتجات بعضها البعض وعمّت مظاهر الاحتكار وتقييد حرية دخول الأسواق، وتزايدت ممارسة الدول لحروب العملات من أجل دعم تنافسية الصادرات في الأسواق الدولية وغير ذلك من الممارسات"[38].
4.العزل المجتمعي.. حدود مفتوحة - مجتمعات مغلقة: الليبرالية المترنحة وقيود الهجرة[39]
سرعان ما انتقلت سلوكيات رفض العولمة والنزوع إلى الانعزالية من الدول والحكومات إلى الشعوب "فانساق بعضها خلف مساعي حكوماته، وأصبح بدوره غير متقبّل للانفتاح على العالم الخارجي أو على الآخر المقيم في الداخل. "وقد تجلّت هذه الحالة بوضوح عام 2016 لدى تصويت البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي"[40].
من جانب آخر وعلى الرغم من التقدُّم الذي لاحظه بعض الباحثين في القانون الدولي فيما يتعلق بالحريات الفردية، فإن حركات الانتقال والهجرة تواجه عقبات بسبب تشييد الجدران الوطنية والتقسيم الملحوظ للمجتمعات. وهكذا، فإن فكرة الانفتاح المتأصلة في ظاهرة العولمة ظلّت محصورة في مجالات معينة من العلاقات بين الدول. وفي إطار النقاش حول هجرة السكان، يلاحظ المرء بشكل أكبر موقف انسداد التحصينات الوطنية؛ ما أدى إلى زيادة المعايير والقوانيين المتعلقة بالانتقال والهجرة والعمل. ويبدو أن ذلك سيستمر بل وسيتفاقم في النظام الاقتصادي الذي هو على شفا الولادة ليحلَّ محل النظام الاقتصادي المعولَم، وهو ما يعرِّض للخطر وبشكل واضح احترام الحقوق الأساسية، وخصوصًا حقوق المهاجرين[41].
5.العزل الحضاري: إزاحة "الأفول الحضاري" للغرب إلى "أفول جغرافي" لأوروبا
يمكننا أن نقول إن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بريطانيا تسعيان لمرحلة عكس "مشروع مارشال " وهو المشروع الاقتصادي الذي خصّصته الولايات المتحدة لإعادة تعمير أوروبا[42] بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية[43]. بمعنى أنهما تستخدمان بقية دول أوروبا كمنطقة عازلة حضاريًّا ومعرفيًّا في محاولة منهما لقصر "الأفول الحضاري" المتوقّع للغرب على أوروبا غير الأنغلوسكسونية. وقد تجلّت تلك السياسات بوضوح عام 2016 لدى تصويت البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي[44] وتمثّل واقعة فسْخ أستراليا عقدَ شراء 12 غواصة فرنسية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية "طعنة في الظهر"، و"خرقًا للثقة"، و"معاملة غير لائقة"، و"كذبًا"، بسحب عبارات أطلقتها الدبلوماسية الفرنسية للتعبير عن غضبها وخيبة أملها، ليس فقط من فسخ "صفقة" القرن مع أستراليا، ولكن من الأسلوب الذي عوملت به من قبل الحليف الأمريكي وشركائه الأنغلوسكسونيين (أستراليا وبريطانيا). وهو ما أدى " إلى زلزال أعاد تسليط الضوء على طبيعة العلاقة بين واشنطن وحلفائها عامة، وخصوصًا غير الأنغلوسكسونيين منهم"[45].
وثمة موقف آخر ذو دلالة، حين لم تتبادل الولايات المتحدة مع شركائها الفرنسيين معلومات كانت تؤكد الغزو الروسي الوشيك لأوكرانيا، وهو ما أدى برئيس المخابرات العسكرية الفرنسية، الجنرال "إريك فيود" للاستقالة من منصبه؛ لأنه لم يكن قادرًا على تحذير الإدارة الفرنسية في الوقت الملائم، نظرًا لعدم مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية لما امتلكته من معلومات بهذا الخصوص[46].
6.العزل الرقمي أو السيبراني: من "سور الصين العظيم" إلى "السور السيبراني العظيم"
ومن أبرز أمثلة العزل الرقمي أو السيبراني في عالمنا المعاصر ما يسمى "السور الإلكتروني العظيم"، وهو جدار حماية رقمي عملاق، تم بناؤه في 1996-1997 من قبل الحكومة الصينية بمساعدة العديد من الشركات المتخصصة في الأمن السيبراني. والغرض من هذا الجدار هو إقامة حاجز بين "الإنترنت الصيني" و "الإنترنت العالمي"، وهو ما يسمح بمراقبة الإنترنت في الصين عن كثب وحجب المواقع الأجنبية غير المرغوب فيها من خلال قائمة سوداء يتم تحديثها باستمرار. ويعمل جدار العزل الإلكتروني هذا من خلال نوع من المرشحات العملاقة المكونة من موجهات داخلية وخارجية إضافة إلى نظام أسماء النطاقات. وتعتمد التصفية بشكل أساسي على عنوان IP، أو إعادة التوجيه بواسطة نظام أسماء النطاقات، أو على الكلمات الرئيسية الموجودة في عنوان URL، أو على الكلمات الرئيسية الموجودة في كود html[47].
7.العزل الذهني: من المناطق العازلة المادية إلى المناطق العازلة الذهنية
في دراسة بعنوان "الجدران العقلية والحدود: بناء الهوية المحلية في سورتافالا"[48] يبيّن الباحث ألكسندر إيزوتوف تحوّلات الهوية التي طرأت على المدينة التي تقع على الحدود الروسية الفنلندية، والتي أصبحت جزءًا من فنلندا منذ الثورة الروسية عام1917 قبل أن تضمّها موسكو مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية لتشكّل منذ ذلك الحين مثالًا على ما نسمّيه العزل الذهني عن الجوار وذلك بإجراءات وأفكار تهدف لإعادة تعريف سكان المدينة بعلاقتهم مع جيرانهم الفنلنديين.
ومن أهم طرق العزل الذهني في عالمنا المعاصر ما بات يعرف بـ "ما بعد الحقيقة post-truth، الذي أنتجته طُرق التلاعب بالمعلومات والمعلومات المضلّلة disinformation والتي ستظل مشكلة كبيرة وتحديًا طويل الأجل حتى أمام أعتى الديمقراطيات لأنها تعزل المواطن عن واقع وطنه ومجتمعه حتى وهو موجود بداخله[49].
الخاتمة
في نهاية الدراسة نودُّ أن نلفت النظر إلى أن استجابات الدول لسياق التحوّل من "العالم المعولم" Globalized World إلى "العالم المحوجز" Buffered World وقواه الهيكلية الدافعة لبيئة جيوسياسية حُبلى بالصراعات والتقلبات (تداعي النموذج الغربي في الحَوكمة، وارتحال القوة لآسيا في عالم متعدد الأقطاب) - تمثّل هذه الاستجابات كيفية تطوّر العالم خلال العقد القادم على الأقل. ويبدو أن السيناريوهات الأقرب للحدوث، بناءً على ما سبق شرحه في هذه الدراسة، من مظاهر التحوّل من "العولمة Globalization إلى "الحوجزة أو العوزلة" Buffering (المزيد من العزل الجغرافي والاقتصادي والرقمي والذهني والحضاري) هو ما توقّعته دراسات رصينة[50] من أن العالم عام 2040 سيصبح "على غير هدى" وأن النظام الدولي "سيكون بلا اتجاه، وفوضويًّا، ومتقلبًا، حيث يتم تجاهل القواعد والمؤسسات الدولية إلى حد كبير من قبل القوى الكبرى وبعض اللاعبين الإقليميين والجهات الفاعلة غير الحكومية، وستعاني دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من تباطؤ النمو الاقتصادي، وستتسع الانقسامات المجتمعية، ويعم الشلل السياسي، وستُترك جانبًا العديد من التحديات العالمية، مثل تغيُّر المناخ وعدم الاستقرار في البلدان النامية"[51].
ونتيجة لذلك؛ ربما "ينقسم العالم إلى تكتلات عدة اقتصادية وأمنية متفاوتة الحجم والقوة، تتمحور حول الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا وقوى إقليمية"[52]؛ ما يؤدي إلى تركز هذه التكتلات "على الاكتفاء الذاتي والمرونة والدفاع عن مصالحها. وتتدفق المعلومات داخل جيوب سيبرانية منفصلة، ويتم إعادة توجيه سلاسل التوريد، وتتعطل التجارة الدولية. أما البلدان النامية الضعيفة فستكون عالقة في منتصف الطريق، وبعضها سيوشك أن يصبح دولًا فاشلة. أما المشكلات العالمية، ولا سيما تغير المناخ، فلن يتم تناولها بشكل جادٍّ ودوري، هذا إذا تم تناولها أصلًا"[53].
قد يُستثنَى من حالة الحوجزة، وربما للمرة الأولي منذ قرون، العالم العربي الذي يشهد - برغم الحالة السودانية - سياسة تصفير لمشاكله المزمنة وزيادة فرص تسوية النزاعات المشتعلة به، والتي كانت سمة مركزية في المشهد السياسي والأمني فيه منذ عام 1979. ما يسمح لنا بأن نتساءل: هل من الممكن أن يكون هذا السياق بداية سلسلة من الاتفاقات في المنطقة تلعب الدور نفسه الذي لعبه صلح "وستفاليا" عام 1648، ذلك الصلح الذي أنهى مرحلة الصراع الديني والطائفي والمذهبي في أوروبا، وفسح المجال أمام الحرية الدينية والتسامح الديني[54]؟
قد يشهد العالم العربي، إذن، وبرغم موجات الحوجزة القادمة، "وستفاليا عربية" يتم من خلالها إرساء احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والنأي بالدّين عن الصراعات السياسية بين الدول؛ ما يسمح بحالة من "الحوجزة المحمودة" التي تقف من جانب حائط صد لعبور المشكلات والقلاقل والمخاطر بين الدول العربية، ومن جانب آخر تنشغل فيها كل دولة عربية بالنماء والازدهار والتطور[55].
وقد يتزامن ذلك مع فرضية تقول: إنه لكي تلعب الصين دورها الكامل كقوة عظمى في مشهد العلاقات الدولية في السنوات القادمة يجب عليها أن تعبر من خلال العالم العربي كما عبرت الولايات المتحدة من خلال أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن بينما انصب مشروع مارشال الأمريكي على إعادة التعمير الاقتصادي في أوروبا، ينصب - في المقابل - مشروع الصين في العالم العربي على المساهمة في إقامة "ويستفاليا عربية" قائمة بدورها على اعتقاد الصين الراسخ بأنه لا يمكن الوصول إلى الأمن العالمي دون تحقيق الأمن في الشرق الأوسط، وبأنها تلتزم بتطوير علاقاتها مع الدول العربية بناءً على المبادئ التالية: الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي، واحترام خيار شعوب الدول العربية، ودعم جھود الدول العربية في استكشاف الطرق التنموية التي تتناسب مع خصوصياتها الوطنية بإرادتها المستقلة[56].
ونرى أن ما كتبه يومًا المفكر الإيطالي في سياق آخر بالطبع، يمكن أن ينطبق على المرحلة الحالية التي يعيشها العالم: " تَكْمُنُ الأزمةُ تحديدًا في أنَّ القديمَ يُحْتَضَرُ وَالجديدَ لم يُولدْ بعد.. وَفي ظلِّ هذا الفراغِ يظْهَرُ قَدرٌ هائلٌ من الأعْراضِ المَرَضِيَّة"[57]. ونرى أيضًا أن من أهم تلك الأعراض المَرضية هو التحول من "العولمة" Globalization إلى "الحوجزة" Buffering التي تحدث في "العصر الشبكي"[58]، الذي كان متوقعًا له أن يضع حدًّا للحواجز والحدود، ولكن يبدو أنه من الممكن أيضًا أن يكرسها ويرسخها في بعض الأحيان.
المراجع
[1] يقدِّم مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC)، الذي تأسس عام 1979 ويتبع مدير المخابرات الوطنية CIA، تقريرًا يسمّى "الاتجاهات العالمية" كل أربع سنوات لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد، ويتم تسليمه عادةً إلى الرئيس المنتخب بين يوم إعلان الانتخابات ويوم التنصيب. ويستند التقرير إلى معلومات استخباراتية من مجموعة واسعة من المصادر التي تضم آراء خبراء ووثائق وتقارير أخرى؛ بهدف تزويد صانعي السياسة الأمريكية في وقت مبكر من كل إدارة جديدة بأفضل المعلومات المتاحة والتحليلات والتقديرات المعمقة للاتجاهات الرئيسية التي ستشكل البيئة الاستراتيجية للولايات المتحدة خلال العقدين المقبلين على الأقل.
ويعمل التقرير على تقييم الدوافع والسيناريوهات الحاسمة للاتجاهات العالمية بأفق زمني تقريبي يبلغ خمسة عشر عامًا وذلك للإسهام في رسم السياسة الاستراتيجية بعيدة المدى للبيت الأبيض ومجتمع الاستخبارات الأمريكي، ومن أجل ذلك ركز التقرير على الاتجاهات والديناميكيات العالمية طويلة الأجل التي من المحتمل أن تشكّل المجتمعات والدول والنظام الدولي لعقود من الزمن وتقديمها في سياق أوسع. وقد صدر أول تقرير في عام 1997، وصدر أحدث تقرير في مارس 2021 تحت عنوان "الاتجاهات العالمية 2040: عالم أكثر إثارة للجدل". انظر: وائل صالح، كيف يرى مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC) العالم عام 2040؟، تريندز للبحوث، http://surl.li/eepan
[2] 7th edition of the National Intelligence Council’s Global Trends report, 2021.
[3] يشير مصطلح "العولمة" عمومًا إلى فتح الحدود الدولية أمام تدفّقات التجارة الحرة والعولمة والاستثمار المباشر والمعلومات والتكنولوجيا. مركز صندوق النقد الدولي، المجلس القومي للتعليم الاقتصادي، نيويورك، ٢١ سبتمبر ٢٠٠٥،
https://www.imf.org/external/np/exr/center/students/hs/think/ara/lessona.pdf
[4] وائل صالح، كيف يرى مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC) العالم عام 2040؟، تريندز للبحوث والاستشارات،http://surl.li/eepan
[5] وائل صالح، كيف يرى مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC) العالم عام 2040؟، تريندز للبحوث، http://surl.li/eepan
[6] وائل صالح، كيف يرى مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC) العالم عام 2040؟، تريندز للبحوث، http://surl.li/eepan
[7] يقدم مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC)، الذي تأسس عام 1979 ويتبع مدير المخابرات الوطنية CIA، تقريرًا يسمى "الاتجاهات العالمية" كل أربع سنوات لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد ويتم تسليمه عادةً إلى الرئيس المنتخب بين يوم إعلان الانتخابات ويوم التنصيب. ويستند التقرير إلى معلومات استخباراتية من مجموعة واسعة من المصادر التي تضم آراء خبراء ووثائق وتقارير أخرى بهدف تزويد صانعي السياسة الأمريكية في وقت مبكر من كل إدارة جديدة بأفضل المعلومات المتاحة والتحليلات والتقديرات المعمقة للاتجاهات الرئيسية التي ستشكل البيئة الاستراتيجية للولايات المتحدة خلال العقدين المقبلين على الأقل.
ويعمل التقرير على تقييم الدوافع والسيناريوهات الحاسمة للاتجاهات العالمية بأفق زمني تقريبي يبلغ خمسة عشر عامًا وذلك للإسهام في رسم السياسة الاستراتيجية بعيدة المدى للبيت الأبيض ومجتمع الاستخبارات الأمريكي، ومن أجل ذلك ركّز التقرير على الاتجاهات والديناميكيات العالمية طويلة الأجل التي من المحتمل أن تشكّل المجتمعات والدول والنظام الدولي لعقود من الزمن وتقديمها في سياق أوسع. وقد صدر أول تقرير في عام 1997، وصدر أحدث تقرير في مارس 2021 تحت عنوان "الاتجاهات العالمية 2040: عالم أكثر إثارة للجدل".
انظر وائل صالح، كيف يرى مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC) العالم عام 2040؟، تريندز للبحوث، http://surl.li/eepan
[8] انظر وائل صالح، كيف يرى مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC) العالم عام 2040؟، تريندز للبحوث والاستشارات، http://surl.li/eepan
[9] المرجع السابق.
[10] المرجع السابق.
[11] كاتب بارز للصحفي الأمريكي ورئيس تحرير مجلة "نيوزويك" السابق.
[12] صدرت النسخة المترجمة للعربية من الكتاب في عام 2003.
[13] أستاذ العلوم السياسية وعميد سابق لمدرسة جون كينيدي الحكومية في جامعة هارفارد، وتولى عدة مناصب رسمية، منها مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في حكومة بيل كلينتون، ورئيس مجلس الاستخبارات الوطني.
[14] الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها / باتريك آرتو، ماري بول فيرار؛ ترجمة سعد الطويل.
[15] مفكر أمريكي معروف شغل منصب مستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين، وكاتب عمود صحفي دائم في عدد من الصحف الأمريكية، ومؤسس لثلاثة من أشهر برامج التليفزيون، في أكبر قناتين أمريكيتين "إن بي سي"، و"سي إن إن".
[16] Engels, David. « Après le déclin de l’Occident, sa fin – ou son accomplissement ? », Revue Défense Nationale, vol. 838, no. 3, 2021, pp. 55-62.
[17] Which Populations Feel Their Country is on the Wrong Track?, Chris Dickert,
Graphics/Design:Nick Routley, Visual Capitalist, 16 November 2022.
[18]روبرت مانينج وماثيو بوروز، توترات عالمية: ما المخاطر العشر الأكثر توقعًا خلال عام 2023؟ إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 21 ديسمبر، 2022،https://bit.ly/3Hr8tIm
[19] 2023 Annual Forecast: A Global Overview, Stratfor, December 18, 2022.
[20] خبراء دوليون: آسيا المستقبل... أرض «الغرب الجديد»، الشرق 01 نوفمبر 2019، https://bit.ly/3kB4FeQ
[21] بوتين: العالم يصبح اليوم متعدد الأقطاب وآسيا تؤدي الدور الرئيسي في هذا النظام الجديد، روسيا اليوم، 13.10.2022
[22] بوتين: العالم يصبح اليوم متعدد الأقطاب وآسيا تلعب الدور الرئيسي في هذا النظام الجديد، https://bit.ly/3G1enza
[23] http://www.chinatoday.com.cn/Arabic/2004n/4n7/17n7.htm
[24] The World Ahead 2023, The Economist, China’s tricky foreign relations pose a challenge to Xi Jinping.
[25] Philippe Ricard, Autonomie stratégique : Emmanuel Macron affaiblit sa propre position, Le Monde, le 27 avril 2023.
[26] Szary, Anne-Laure A. « Que montrent les murs ? Des frontières contemporaines de plus en plus visibles. » Études internationales, volume 43, numéro 1, mars 2012, p. 67–87. https://bit.ly/3kFcDU1
[27] Colloque international organisé par l’observatoire de géopolitique de la chaire Raoul-Dandurand, UQAM, murs et barrières en relations internationales Fences and Walls in international relations, jeudi 29 et vendredi 30 octobre 2009, compte rendu rédigé par Anne-lucie acar, Philippe Beaulieu-brossard, Claude Berlinguette, Catherine Goulet-Cloutier et Marie-Michèle Paradis.
[28] Colloque international organisé par l’observatoire de géopolitique de la chaire Raoul-Dandurand, UQAM, murs et barrières en relations internationales Fences and Walls in international relations, jeudi 29 et vendredi 30 octobre 2009, compte rendu rédigé par Anne-lucie acar, Philippe Beaulieu-brossard, Claude Berlinguette, Catherine Goulet-Cloutier et Marie-Michèle Paradis.
[29] عرجون شوقي، الجيل الثاني من الجدران في العلاقات الدولية: من سياسة الحواجز/التايشوبوليتكس إلى تصلب الحدود، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، Volume 9, Numéro 2, Pages 77-88،
https://www.asjp.cerist.dz/en/article/119061
[30] المرجع السابق.
[31] Menon, R., & Snyder, J. (2017). Buffer zones: Anachronism, power vacuum, or confidence builder? Review of International Studies, 43(5), 962-986. doi:10.1017/S0260210517000122
[32] Buffer Zone, International Encyclopedia of Human Geography, 2009, Pages 362-367.
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/B9780080449104007616
[33] الرئيس الأوكراني يقول إن بلاده ليست منطقة عازلة بين الغرب وروسيا، الشروق، 24 يونيو 2022.
[34] بوتين: محاولات التوصل لتسوية في دونباس فشلت بسبب مواقف كييف، الرئيس الروسي: مأساة دونباس هي نتيجة أنشطة نظام "الفاشية الجديدة"، العربية. نت، 05 سبتمبر 2022،
[35]NJDEH ASISIAN, Iran, China, and the Future World Order, Unipolarity or Multipolarity? Kenney Papers No. 1.
[36] سرت والجفرة.. مصر ترسم مجددًا خطوطها الحمراء في ليبيا، العربية، 23 سبتمبر ,2020.
[37] علي صلاح، مستقبل العولمة في عصر الجيل الثاني من الحروب التجارية، 12 ديسمبر، 2021
[38] المرجع السابق.
[39] Colloque international organisé par l’observatoire de géopolitique de la chaire Raoul-Dandurand, UQAM, murs et barrières en relations internationales Fences and Walls in international relations, jeudi 29 et vendredi 30 octobre 2009, compte rendu rédigé par Anne-lucie acar, Philippe Beaulieu-brossard, Claude Berlinguette, Catherine Goulet-Cloutier et Marie-Michèle Paradis.
[40] علي صلاح، مستقبل العولمة في عصر الجيل الثاني من الحروب التجارية، مركز المستقبل، 12 ديسمبر 2021.
[41] Colloque international organisé par l’observatoire de géopolitique de la chaire Raoul-Dandurand, UQAM, murs et barrières en relations internationales Fences and Walls in international relations, jeudi 29 et vendredi 30 octobre 2009, compte rendu rédigé par Anne-lucie acar, Philippe Beaulieu-brossard, Claude Berlinguette, Catherine Goulet-Cloutier et Marie-Michèle Paradis.
[42] للمزيد حول المشروع، انظر:
Charles L. Mee Jr, The Marshall Plan: The Launching of the Pax Americana Hardcover, 301 pages, 1984
[43] وضع ذلك المشروع الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية، وأعلنه بنفسه في يونيو من عام 1947 في خطاب ألقاه في جامعة هارفارد، وقد أسهمت الأموال المقدمة من خلاله في إعادة إعمار أوروبا وتشغيل الاقتصاد والمصانع الأوروبية.
[44] علي صلاح، مستقبل العولمة في عصر الجيل الثاني من الحروب التجارية، 12 ديسمبر، 2021، https://bit.ly/3j40rfp
[45] الغواصات الفرنسية.. سر انهيار صفقة زلزلت العلاقات الأطلسية! https://bit.ly/3Y0F6SG
[46] Oumy Diallo, Ukraine : le chef du renseignement militaire français limogé, TV5 Monde, 31 MAR 2022
[47] Pozzar, Marie-Hélène. « De la Grande Muraille à la cybermuraille : nouvelles barrières immatérielles en République populaire de Chine. » Études internationales, volume 43, numéro 1, mars 2012, p. 89–110. https://doi.org/10.7202/1009141ar
https://www.erudit.org/fr/revues/ei/2012-v43-n1-ei5009237/1009141ar/
[48] Colloque international organisé par l’observatoire de géopolitique de la chaire Raoul-Dandurand, UQAM, murs et barrières en relations internationales Fences and Walls in international relations, jeudi 29 et vendredi 30 octobre 2009, compte rendu rédigé par Anne-lucie acar, Philippe Beaulieu-brossard, Claude Berlinguette, Catherine Goulet-Cloutier et Marie-Michèle Paradis.
[49] Jean-Baptiste Jeangène Vilmer, INFORMATION MANIPULATION, A Challenge for Our Democracies, A report by the Policy Planning Staff (CAPS, Ministry for Europe and Foreign Affairs) and the Institute for Strategic Rechearch (IRSEM, Ministry
for the Armed Forces),
https://www.diplomatie.gouv.fr/IMG/pdf/information_manipulation_rvb_cle838736.pdf
[50] وائل صالح، كيف يرى مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC) العالم عام 2040؟، تريندز للبحوث والاستشارات، http://surl.li/eepan
[51] المرجع السابق.
[52] المرجع السابق.
[53] المرجع السابق.
[54] Patton, Steven (2019) “The Peace of Westphalia and it Affects on International Relations, Diplomacy and Foreign Policy,” The Histories: Vol. 10: Iss. 1, Article 5. Available at: https://bit.ly/3J6dAxj
[55] إدارة البحوث والدراسات، عودة العلاقات السعودية - الإيرانية.. أبعاد الاتفاق والانعكاسات المحتملة، مركز تريندز للبحوث والاستشارات، 11 مارس 2023.
[56] وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية،
http://lb.china-embassy.gov.cn/eng/xwdt/201601/P020210615215148116644.pdf
[57] Gramsci, Antonio. 1975. Quaderni del carcere. Volume 1. Edited by Valentino
Gerratana. Turin: Einaudi Editore.1977, p. 311.
[58] للمزيد حول موضوع العصر الشبكي وتداعياته، انظر: خالد بشير، حوارية "تجديد الخطاب الديني": هل فقد رجل الدين دوره في العصر الرقمي؟، حفريات، 26/02/2018، https://bit.ly/3HrgEUb
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)