يقدم مجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC)، الذي تأسس عام 1979 ويتبع مدير المخابرات الوطنية CIA، تقريراً يسمى "الاتجاهات العالمية" كل أربع سنوات لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد ويتم تسليمه عادةً إلى الرئيس المنتخب بين يوم إعلان الانتخابات ويوم التنصيب. ويستند التقرير إلى معلومات استخباراتية من مجموعة واسعة من المصادر التي تضم آراء خبراء ووثائق وتقارير أخرى بهدف تزويد صانعي السياسة الأمريكية في وقت مبكر من كل إدارة جديدة بأفضل المعلومات المتاحة والتحليلات والتقديرات المعمقة للاتجاهات الرئيسية التي ستشكل البيئة الاستراتيجية للولايات المتحدة خلال العقدين المقبلين على الأقل[1].
والتقرير يُنظر إليه أنه غير منحاز ولا يأخذ في الاعتبار عما إذا كانت الأحكام التحليلية الواردة فيه تتوافق مع السياسة الأمريكية الحالية من عدمه. ويتميز التقرير بجمعه بين تحديات الأمن القومي التقليدية والتحديات الأخرى مثل التحديات الاجتماعية التي لها تداعيات أمنية واضحة. واستهل تقرير الاتجاهات العالمية لمجلس الاستخبارات الوطنية لهذا العام، وهو الإصدار السابع، بجملة معبرة لشيرمان كينث، مؤسس مكتب التقديرات الوطنية الأمريكي: "المخابرات لا تدعي عصمة استشرافاتها عن الخطأ هي تعتبر أن الإجابات التي تقدمها هي التقديرات الأكثر عمقاً وموضوعية فقط"، ومقدمة التقرير التي كتبها الفريق الاستراتيجي لاستشراف المستقبل بمجلس المخابرات الوطني الأمريكي تقول "نقدم هذا التحليل بتواضع، مدركين أن المستقبل سيتكشف دائماً بطرق لم نتوقعها".
وتتضمن عملية كتابة التقرير خطوات عديدة من بينها فحص الإصدارات السابقة من التقرير وتقييمها للبحث عن الدروس المستفادة لصقل التقرير الجديد؛ وعملية البحث والاكتشاف التي تنطوي على مشاورات واسعة النطاق، وجمع البيانات، والتكليف بإجراء البحوث؛ والتوليف والتخطيط والصياغة، والتماس التغذية الراجعة الداخلية والخارجية لمراجعة التحليل وصقله.
ويقول التقرير الصادر هذا العام، بعنوان "الاتجاهات العالمية 2040: عالم أكثر إثارة للجدل"، في مقدمته أن أحد المكونات الرئيسية له هو محادثات القائمين عليه مع العالم حيث استفاد بشكل كبير من المحادثات المستمرة مع الأكاديميين والباحثين المعتبرين في مجموعة من التخصصات المختلفة من أجل ترسيخ التقرير بأحدث النظريات المعرفية والبيانات. كما قام القائمون على التقرير بتوسيع اتصالاتهم للاستماع إلى وجهات نظر متنوعة، بدءاً من طلاب المدارس الثانوية في واشنطن العاصمة، مروراً بمنظمات المجتمع المدني في أفريقيا، وقادة الأعمال في آسيا، ومن لهم خبرة واسعة في الاستشراف من الباحثين في أوروبا وآسيا، وصولاً إلى مجموعات الدفاع عن البيئة في أمريكا الجنوبية. ومما لا شك فيه أن هذه المناقشات قدمت للتقرير أفكاراً وخبرات جديدة، وتحدت افتراضات مجتمع المخابرات الأمريكية، وساعدت على تحديد وفهم تحيزاته ونقاطه العمياء، كما يقول التقرير في مقدمته.
ويعمل التقرير على تقييم الدوافع والسيناريوهات الحاسمة للاتجاهات العالمية بأفق زمني تقريبي يبلغ خمسة عشر عاماً وذلك للمساهمة في رسم السياسة الاستراتيجية بعيدة المدى للبيت الأبيض ومجتمع الاستخبارات الأمريكي ومن أجل ذلك ركز التقرير على الاتجاهات والديناميكيات العالمية طويلة الأجل التي من المحتمل أن تشكل المجتمعات والدول والنظام الدولي لعقود من الزمن وتقديمها في سياق أوسع.
ولقد صدر أول تقرير في عام 1997، وصدر أحدث تقرير في مارس 2021 تحت عنوان "الاتجاهات العالمية 2040: عالم أكثر إثارة للجدل"، وهو الذي سنناقشه بالتفصيل في تلك الورقة التي تستهدف تلخيص أهم ما ورد فيه.
أجزاء التقرير
التقرير يتكون من ثلاثة أقسام عامة. في قسمه الأول، يستكشف القوى الهيكلية في أربعة مجالات أساسية: التركيبة السكانية، والبيئة، والاقتصاد، والتكنولوجيا كونها مجالات أساسية في تشكيل ديناميكيات المستقبل ونظراً لعالمية نطاق تأثيرها، وسهولة تقديم توقعات بشأنها وذلك بناءً على درجة معقولة من الثقة في البيانات والأدلة المتاحة. كما يبحث التقرير في قسمه الثاني في كيفية تفاعل هذه القوى الهيكلية وتقاطعها مع عوامل أخرى للتأثير في الديناميكيات الناشئة على أربعة مستويات من التحليل: الأفراد والمجتمع والدول والنظام الدولي. وبما أن التقرير يواجه في هذا القسم درجة عالية من عدم اليقين بسبب تنوع الخيارات التي سيتم اتخاذ البشرية القرارات بناء عليها في المستقبل، فلقد ركز على تحديد الديناميكيات الناشئة الرئيسية ووصفها في كل مستوى من تلك المستويات، بما في ذلك ما يدفع تلك الديناميكيات الجديدة للظهور وكيف يمكن أن تتطور بمرور الوقت. أخيراً، يحدد القسم الثالث من التقرير العديد من أوجه عدم اليقين تلك ويستخدمها بعد ذلك لاستشراف خمسة سيناريوهات مستقبلية للعالم في عام 2040. ويؤكد التقرير أنه لا يُقصد بهذه السيناريوهات أن تكون تنبؤات ولكن يهدف من خلالها إلى توسيع أفق الاحتمالات، واستكشاف ديناميكيات مختلفة لكيفية عمل القوى الهيكلية المشار إليها، والديناميكيات الناشئة، وأوجه عدم اليقين الرئيسية في عالم الغد.
الجزء الأول: القوى الهيكلية[2]
مما لا شك فيه أن الاتجاهات الخاصة بالتركيبة السكانية والتنمية البشرية والبيئة والاقتصاد والتكنولوجيا هي التي ترسم وتبني حدود عالمنا المستقبلي. في بعض المناطق، أصبحت هذه الاتجاهات أكثر حدة، مثل التغيرات المناخية، وتركز الناس في المناطق الحضرية، وظهور تقنيات جديدة. من المرجح أن تتباطأ المكاسب في التنمية البشرية والنمو الاقتصادي وقد ينعكس ذلك في بعض المجالات، مع العلم أن مزيجاً من العوامل يمكن أن يغير هذا المسار من التباطؤ. وسيوفر هذا السياق فرصاً للابتكار، ولكنه سيترك بعض المجتمعات والدول تكافح من أجل التأقلم والتكيف أيضاً. حتى التقدم الظاهر في مجالات كالتقنيات الجديدة والمتقدمة، سيكون مدمراً لحياة العديد من الناس وسبل عيشهم، مما يتركهم يشعرون بعدم الأمان ويفرض عليهم مزيداً من التكيف. مع ذلك الوضع.
التحولات الديموغرافية الرئيسية مع تباطؤ النمو السكاني العالمي وشيخوخة العالم بسرعة هي الاتجاهات الأكثر تأكيداً خلال العشرين عاماً المقبلة. بعض الاقتصادات المتقدمة والصاعدة، بما في ذلك في أوروبا وشرق آسيا، سوف تنمو بشكل أسرع ولكنها ستواجه تقلصاً في عدد السكان، ما سيؤثر في المقابل في النمو الاقتصادي على المدى الأطول. وستستفيد بعض البلدان النامية في أمريكا اللاتينية وجنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا من زيادة عدد سكانها الذين في سن العمل، ما سيوفر فرصاً لتحقيق مكاسب ديموغرافية إذا اقترنت بالتحسينات في البنية التحتية والمهارات البشرية.
سوف تكافح العديد من البلدان للبناء على ما تم تحقيقه في العقود القليلة الماضية في مسارات التنمية البشرية في مجالات الصحة والتعليم وازدهار الأسرة أو حتى الحفاظ عليها بسبب صعوبات استمرار أو تفاقم صعوبات مثل جائحة "كوفيد-19"، والبطء في النمو الاقتصادي العالمي، وشيخوخة السكان، وآثار تفاقم الصراع في مناطق كثيرة من العالم والتغير المناخي. وستشكل هذه العوامل تحدياً للحكومات في توفير التعليم والبنية التحتية اللازمة لتحسين إنتاجية الطبقات المتوسطة الحضرية المتنامية في اقتصاد القرن الحادي والعشرين.
ومن شبه المؤكد أن يؤدي تحول الاتجاهات الديموغرافية العالمية إلى تفاقم التفاوتات في الفرص الاقتصادية داخل البلدان وفيما بينها خلال العقدين المقبلين، فضلاً عن خلق المزيد من الضغوط والنزاعات بشأن الهجرة.
في مجال البيئة، من المرجح أن تزداد حدة الآثار المادية لتغير المناخ خلال العقدين المقبلين، لا سيما في ثلاثينيات القرن الحالي. المزيد من ارتفاع درجات الحرارة والعواصف الشديدة والجفاف والفيضانات وذوبان الأنهار الجليدية والقلنسوات الجليدية وسيصاحب ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر. وسيؤثر ذلك في العالم كله ولكن بشكل غير متناسب بل بشكل أكبر على العالم النامي والمناطق الأفقر فيه وسيخلق ذلك الوضع نقاط ضعف جديدة وسيفاقم المخاطر الحالية ما سينعكس على الازدهار الاقتصادي وعلى قطاعات الغذاء والماء والصحة وأمن الطاقة. ومن المرجح أن تقوم الحكومات والمجتمعات والقطاع الخاص بتوسيع تدابير التكيف والمرونة لإدارة تلك التهديدات والمخاطر، ولكن من غير المرجح أن تكون تلك التدابير متساوية الأثر، ما سيترك بعض السكان في بعض المناطق وراء الركب. وستزداد المناقشات حول كيفية الحد من انبعاثات الغازات التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري.
على المستوى الاقتصادي، سيرتفع الدين الوطني لمعظم الدول، خلال العقدين المقبلين، وستكون البيئة التجارية العالمية أكثر تعقيداً وتجزئة، وستشهد التجارة العالمية تحولات جذرية، واضطرابات جديدة في قطاع التوظيف، وستتغير الظروف الاقتصادية داخل الدول وفيما بينها. وقد تجد العديد من الحكومات نفسها مضطرة إلى التقليل من المرونة بسبب أعباء ديون أكبر. وسنشهد قواعد تجارية جديدة ومتنوعة، ومجموعة أوسع من الجهات الفاعلة الحكومية ومن الشركات النافذة.
يمكن لشركات المنصات التجارية الافتراضية الكبيرة (التي توفر أسواقاً عبر الإنترنت لأعداد كبيرة من المشترين والبائعين) أن تدفع في استمرار العولمة التجارية وتساعد الشركات الصغيرة على النمو والوصول إلى الأسواق الدولية. ومن المرجح أن تحاول هذه الشركات القوية ممارسة نفوذها في الساحتين السياسية والاجتماعية، وربما قد يدفع ذلك الوضع الحكومات إلى فرض قيود جديدة. كما أن الاقتصادات الآسيوية تبدو مهيأة لمواصلة عقود من النمو حتى عام 2030 على الأقل، وإن كان من المحتمل أن يكون أبطأ من الآن. ومن غير المحتمل أن يستمر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على وضعه الراهن حتى في الاقتصادات المتقدمة الحالية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
ستوفر التكنولوجيا إمكانية التخفيف من بعض المشكلات، مثل تغير المناخ والأمراض، وخلق تحديات جديدة، مثل الاستغناء عن الوظائف، وسيتم اختراع التقنيات واستخدامها ونشرها ثم التخلص منها بسرعات متزايدة في جميع أنحاء العالم، كما ستظهر مراكز ابتكار جديدة. ومن المرجح أن تزداد وتيرة التطورات التكنولوجية ونطاقها بشكل أسرع خلال العقدين المقبلين، ما سيؤدي إلى خلق توترات واضطرابات جديدة داخل المجتمعات والصناعات والدول وفيما بينها. وسوف يتنافس المنافسون من الدول وغير الدول على القيادة والهيمنة في العلوم والتكنولوجيا ما سينعكس على الأمن الاقتصادي والعسكري والمجتمعي.
ويغذي هذا الاتجاه انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي، الذي سيسهل على الحكومات والمجموعات حتى الشركات تشكيل الرأي العام، سواء من خلال حملات التأثير أو عمليات التضليل ما سيزيد من تشويه الحقيقة والواقع، ما يؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات على نطاق واسع.
الجزء الثاني: ديناميكيات ناشئة[3]
ستتقاطع هذه القوى الهيكلية المفصلة وتتفاعل بالجزء الأول، إلى جانب عوامل أخرى، لتؤثر في مستوى الأفراد والمجتمعات والدول والنظام الدولي، ما يخلق فرصاً وتحديات للأفراد وللمجتمعات والمؤسسات والشركات والحكومات. ومن المحتمل أن تؤدي هذه التفاعلات إلى نقاط نزاع أكبر على المستويات جميعها كما لوحظ منذ نهاية الحرب الباردة، بسبب تنامي الأيديولوجيات المختلفة ووجهات النظر المتناقضة حول الطريقة الأكثر فاعلية لتنظيم المجتمع والتصدي للتحديات الناشئة.
على مستوى الأفراد والمجتمعات، سيتزايد التشرذم والتنافس داخل المجتمعات حول القضايا الاقتصادية والثقافية والسياسية. أما التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية السريعة فستجعل قطاعات كبيرة من سكان العالم تعادي المؤسسات والحكومات التي سيرونها غير راغبة أو غير قادرة على تلبية احتياجاتهم. وسينجذب الناس أكثر فأكثر إلى المجموعات والتنظيمات والمؤسسات المألوفة لهم ومتشابهة التفكير مع أفكارهم التقليدية، بما في ذلك القائمة على الهويات العرقية والدينية والثقافية وكذلك تجمعات المصالح والدفاع عن قضايا محددة، مثل حماية البيئة.
تنامي ولاءات الهوية من جانب، وبيئة المعلومات المنعزلة من جانب آخر سيؤدي إلى تفاقم التصدعات داخل الدول، ويقوض القومية المدنية، ويزيد من التقلبات.
على مستوى الدولة، من المرجح أن تواجه العلاقات بين المجتمعات وحكوماتها في مناطق العالم كلها توترات مستمرة بسبب عدم التوافق المتزايد بين ما يحتاجه الجمهور وما يتوقعه وما يمكن أن تقدمه الحكومات وما ستقدمه. وعلى الرغم من أن الشعوب في مناطق العالم كلها ستحصل بشكل متفاوت على المزيد من الأدوات والقدرات والحوافز لتحقيق أهدافهم الاجتماعية والسياسية المفضلة فإنهم سيفرضون المزيد من المطالب على حكوماتهم التي ستتعرض لضغوط أكبر من التحديات الجديدة والموارد المحدودة، وتنذر هذه الفجوة المتسعة بين الشعوب والحكومات بمزيد من التقلبات السياسية، وتآكل الديمقراطية، وتوسيع الأدوار لمقدمي الحوكمة البديلة من الفاعلين من غير الدولة. وبمرور الوقت، قد تفتح هذه الديناميكيات الباب لتحولات أكثر أهمية في كيفية حكم الناس.
على مستوى النظام الدولي، من غير المحتمل أن تستأثر دولة واحدة بالسيطرة على المناطق الجغرافية جميعها أو المجالات كلها، وسوف تتنافس مجموعة أوسع من الجهات الفاعلة لتشكيل النظام الدولي الجديد. من المرجح أن تؤدي التحولات المتسارعة في القوة العسكرية، والتركيبة السكانية، والنمو الاقتصادي، والظروف البيئية، والتكنولوجيا، فضلاً عن الانقسامات الشديدة بشأن نماذج الحكم، إلى زيادة المنافسة بين الصين والتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وستتنافس القوى الدولية لتشكيل المعايير والقوانين والمؤسسات العالمية المتصلة بها (كما يوضح الشكل رقم 1)، بينما قد تمارس القوى الإقليمية والجهات الفاعلة غير الحكومية مزيداً من النفوذ والقيادة في القضايا التي تتركها القوى الكبرى دون رقابة، ومن المرجح أن تؤدي هذه التفاعلات شديدة التنوع إلى بيئة جيوسياسية أكثر عرضة للصراع والتقلب، وتقويض التعددية العالمية، وتوسيع نطاق عدم التوافق بين التحديات عبر الوطنية (كما يوضح الشكلان رقم 2 ورقم 3).
الشكل رقم 1: مصير القوانين الدولية في عالم 2040
الشكل رقم 2: محددات الصراع الدولي في عالم 2040
الشكل رقم 3: أشكال الصراع الدولي في عالم 2040
الجزء الثالث: سيناريوهات بديلة لعام 2040[4]
ستحدد استجابات البشر لهذه القوى الهيكلية) الجزء الأول من التقرير) والديناميكيات الناشئة (الجزء الثاني من التقرير) كيفية تطور العالم خلال العقدين المقبلين. من بين العديد من أوجه عدم اليقين بشأن المستقبل، ركز التقرير على ثلاثة أسئلة رئيسية وعلى مناطق ودول محددة ليستشرف فيها الخيارات السياسية لشعوبها وقادتها الذين سيشكلون البيئة العالمية في العقود المقبلة. من خلال هذه الأسئلة، استشرف التقرير خمسة سيناريوهات للعوالم البديلة في عام 2040.
وتلك الأسئلة هي:
سيناريوهات عالم 2040:
سيشهد العالم عودة للديمقراطيات المفتوحة بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها، كما أن التطورات التكنولوجية السريعة التي تعززها الشراكات بين القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة والمجتمعات الديمقراطية الأخرى ستغير الاقتصاد العالمي، وتزيد الدخل، وتحسن نوعية الحياة للملايين حول العالم. وسيتيح المد المتصاعد للنمو الاقتصادي والإنجازات التكنولوجية إمكانية تخطي التحديات العالمية، وسيخفف الانقسامات المجتمعية، وسيجدد ثقة الجمهور في المؤسسات الديمقراطية. في المقابل، ستؤدي سنوات الضوابط والمراقبة المجتمعية المتزايدة في الصين وروسيا إلى خنق الابتكار وسيسعى كبار العلماء ورجال الأعمال للحصول على اللجوء في الولايات المتحدة وأوروبا.
النظام الدولي سيكون بلا اتجاه، وفوضوي، ومتقلب حيث يتم تجاهل القواعد والمؤسسات الدولية إلى حد كبير من قبل القوى الكبرى مثل الصين، واللاعبين الإقليميين، والجهات الفاعلة غير الحكومية. وستعاني دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من تباطؤ النمو الاقتصادي، وستتسع الانقسامات المجتمعية، ويعم الشلل السياسي، وستستغل الصين مشكلات الغرب لتوسيع نفوذها الدولي، خاصة في آسيا، لكن بكين ستفتقر إلى الإرادة والقوة العسكرية لتولي القيادة العالمية، تاركة العديد من التحديات العالمية، مثل تغير المناخ وعدم الاستقرار في البلدان النامية، دون معالجة إلى حد كبير.
ستعطي الولايات المتحدة والصين الأولوية للنمو الاقتصادي واستعادة علاقة تجارية قوية بينهما، لكن هذا الترابط الاقتصادي سيوجد جنباً إلى جنب مع المنافسة على التأثير السياسي، ونموذج الحكم، والهيمنة التكنولوجية، والمصالح الاستراتيجية. ومخاطر نشوب حرب كبرى منخفضة في هذا العالم، والتعاون الدولي والابتكار التكنولوجي سيجعل المشكلات العالمية قابلة للإدارة على المدى القريب بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة، ولكن التحديات المناخية ستظل موجودة على المدى الطويل.
ينقسم العالم إلى تكتلات عدة اقتصادية وأمنية متفاوتة الحجم والقوة، تتمحور حول الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا واثنين من القوى الإقليمية. تركز هذه الكتل على الاكتفاء الذاتي والمرونة والدفاع عن مصالحها. وتتدفق المعلومات داخل جيوب سيبرانية منفصلة، ويتم إعادة توجيه سلاسل التوريد، وتعطل التجارة الدولية. أما البلدان النامية الضعيفة فستكون عالقة في منتصف الطريق، وبعضها توشك أن تصبح دولاً فاشلة. والمشكلات العالمية، ولا سيما تغير المناخ، لن يتم تناولها بشكل دوري، هذا إذا تم تناولها أصلاً.
يقوم تحالف عالمي، بقيادة الاتحاد الأوروبي والصين بالعمل مع المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المتعددة الأطراف التي تم تنشيطها، بتنفيذ تغييرات بعيدة المدى تهدف إلى معالجة تغير المناخ واستنفاد الموارد والفقر في أعقاب كارثة غذائية عالمية سببتها الأحداث المناخية والتدهور البيئي. وتتجه البلدان الأكثر ثراءً لمساعدة الدول الفقيرة على إدارة الأزمة ثم الانتقال إلى اقتصادات منخفضة الكربون من خلال برامج مساعدات واسعة ونقل تقنيات الطاقة المتقدمة.
من غير المرجح إذاً أن يكون العالم أفضل مما هو عليه الآن، وفقاً للتقرير فمن ناحية ستُجهد باستمرار المؤسسات والأنظمة التي هيمنت على الأحداث العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في الاستجابة "للتحديات العالمية المتتالية"، بما في ذلك تغير المناخ والأمراض والأزمات الاقتصادية والمالية والتكنولوجيا المتطورة. ومن ناحية أخرى ستتفاقم الصراعات داخل الدول وبينها، لتشكل تحديات أكبر في العقود المقبلة.
المصادر:
[1]. 7th edition of the National Intelligence Council’s Global Trends report, 2021, https://web-archive-org.translate.goog/web/20210414042925/https://www.dni.gov/index.php/gt2040-introduction?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=fr&_x_tr_pto=se
[2]. Structural forces, setting the parameters, 7th edition of the National Intelligence Council’s Global Trends report, 2021,
[3]. Emerging dynamics, societal, state, and international, 7th edition of the National Intelligence Council’s Global Trends report, 2021,
[4]. Scenarios for 2040, 7th edition of the National Intelligence Council’s Global Trends report, 2021,
©2024 Trends Research & Advisory, All Rights Reserved.
Reviews (0)